ـ(32)ـ
قال الله عز وجل: ?وأضل فرعون قومه وما هدى?(1). فقل يا أمير المؤمنين كما قال الله: فرعون الذي أضل قومه، ولا تخالف الله في قوله، ولا تجعل من الله إلاّ ما رضي لنفسه، فإنه قال: ?إنّ علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى?(2). فالهدى من الله، والضلال من العباد)(3).
ثم يبين الحسن البصري: أنّه إنّما أحدث الكلام في حرية الإرادة (حين أحدث الناس النكرة لـه، فلما أحدث المحدثون الكلام في دينهم، ذكرت من كتاب الله خلافاً لما قالوا وأحدثوا)(4).
وتبين من طريقة الخطاب والآيات المختارة للتدليل على صحة الاعتقاد بمذهب حرية الإرادة، إنّ الحسن البصري يدعو عبد الملك بن مروان إلى نبذ اعتقاده بالجبر، وتبني مذهب الاختيار والحرية والمسؤولية والعدل. وهذا هو عين ما بينه الإمام علي بن أبي طالب للشيخ الشامي.
لكن آلة الدولة الإعلامية العاملة عبر وعاظ المساجد، وفقهاء السلطان، وأدبائه وكتابه، مضت تروج لمذهب الجبر تسويغاً لما فعلت، وتبريراً لما تنزله بالأمة. وهذا ما يفسر قول ابن حزم ـ بعد قرون ـ عند حديثه عن "القضاء والقدر"، أنّه قد (ذهب بعض الناس لكثرة استعمال المسلمين هاتين اللفظتين، إلى إنّ ظنوا إنّ فيهما معنى الإكراه والإجبار، وليس الأمر كما ظنوا)(5) فابن حزم يسير في فهمه "للقضاء والقدر" على نهج الحسن البصري الذي سار على نهج الإمام علي ـ عليه السلام ـ.
حقيقة القضاء والقدر:
القضاء في لغة العرب: الحكم فقط، ولذلك يقولون: "القاضي" بمعنى: الحاكم، وقضى الله عز وجل ـ بكذا، أي: حكم به. ويكون أيضاً بمعنى: "أمر"، قال تعالى:
__________________________________
1 ـ طه: 79.
2 ـ الليل 12 ـ 13.
3 ـ رسالة في القدر للحسن البصري: 83 ـ 86.
4 ـ المصدر السابق: 88.
5 ـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم 3: 52.