ـ(31)ـ
الإمام علي ـ عليه السلام ـ.
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحسن البصري يقول: (إنه قد بلغ أمير المؤمنين عنك قول في وصف القدر لم يبلغه مثله عن أحد ممن مضى.. وقد كان أمير المؤمنين يعلم منك صلاحاً في حالك، وفضلاً في دينك " ودراية للفقه، وطلباً لـه، وحرصاً عليه. ثم أنكر أمير المؤمنين هذا القول من قولك)(1).
ويرد الحسن البصري مبيناً: أن تكذيبه لمذهب الجبر هو جوهر الإسلام، وأساس الدعوة إليه، وأن الدعوة إلى مذهب حرية الإرادة منهج الصحابة، وكل من سلم اعتقاده من التحريف. فالله قد خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بعبادته التي لها خلقهم، ولم يكن يخلقهم لأمر ثم يحول بينهم وبينه؛ لأنه تعالى [ليس بظلام للعبيد](2). ولم يكن أحد ممن مضى من السلف ينكر هذا القول، ولا يحول عنه؛ لأنهم كانوا على أمر واحد متفقين.. ففكر، أمير المؤمنين في قول الله تعالى: [لمن شاء منكم إنّ يتقدم أو يتأخر_ كلّ نفس بما كسبت رهينة](3).
وذلك إنّ الله تعالى جعل في هام من القدرة ما يتقدمون بها ويتأخرون، وابتلاهم لينظر كيف يعملون.. فلو كان الأمر كما يذهب إليه المخطئون لما كان إليهم إنّ يتقدموا ولا يتأخروا، ولما كان لمتقدم أجر فيما عمل، ولا على متأخر لوم فيما لم يعمل؛ لأن ذلك ـ يزعمهم ـ ليس منهم، ولا إليهم، ولكنه من عمل ربهم.
فتدبر، يا أمير المؤمنين ذلك بفهم، فإن الله ـ عز وجل ـ يقول: [فبشر عباد _ الّذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب](4).
واعلم: إنّ الله لم يجعل الأمور حتماًً على العباد، ولكن قال: إنّ فعلتم كذا فعلت بكم كذا.
__________________________________
1 ـ رسالة في القدر للحسن البصري في رسائل العدل والتوحيد 1: 82.
2 ـ الحج: 10.
3 ـ المدثر: 37 ـ 38.
4 ـ الزمر: 17 ـ 18.