ـ(30)ـ
بثواب الإحسان من المسيء، ولا المسيء أولى بعقوبة الذنب من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهداء الزور، وقدرية هذه الأمة ومجوسها. إنّ الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوباً، ولم يكلف عسيراً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب على العباد عبثاً"، [وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الّذين كفروا فويل للذين كفروا من النار](1). قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما، وعنهما؟ قال: "الأمر من الله تعالى في ذلك، والحكم منه"، ثم تلا: [وكان أمر الله قدراً مقدوراً] (2). فقام الشامي مسروراً فرحاً لما سمع هذا المقال، وقال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك، وأنشأ يقول:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ــــــــــ يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً ــــــــــ جزاك ربك عنا فيه إحسانا
نفى الشكوك مقال منك متضح ــــــــــ وزاد ذا العلم والإيمان إيقانا
فلن أرى عاذراً في فعل فاحشة ــــــــــ ما كنت راكبها ظلماً وعدوانا
كلا ولا قائلاً يوماً لداهية ــــــــــ أرداه فيها لدينا غير شيطانا
ولا أراد، ولا شاء الفسوق لنا ــــــــــ قبل البيان لنا ظلماً وعدوانا
نفسي الفداء لخير الخلق كلهم ــــــــــ بعد النبي علي الخير مولانا
أخي النبي ومولى المؤمنين معاً ــــــــــ وأول الناس تصديقاً وإيمانا
وبعل بنت رسول الله سيدنا ــــــــــ أكرم به وبها سراً وإعلانا(3)
هكذا نفى الإمام علي بن أبي طالب الدعوى التي روج لها الأمويون في الجبر في مرحلة مبكرة. وتفيد كتب علم الكلام: إنّ الأمويين كانوا حريصين على دعم هذا المذهب. وفي الرسالتين المتبادلتين بين الخليفة عبد الملك والإمام الحسن البصري ما يؤكد هذا، مع حرص الحسن البصري على تبني مذهب حرية الإرادة كما أوضحه
__________________________________
1 ـ ص: 27.
2 ـ الأحزاب: 38.
3 ـ الفصول المختارة للمفيد: 72.