ـ(28)ـ
مجلس نظر بداره يحضره كافة العلماء)(1)، لا من الإمامية وحدهم، بل (من سائر الطوائف) كما يقول المؤرخ والمحدث المعروف بـ"ابن كثير".
ويفهم من هذا: إنّ مفكري الأمة على اختلاف مذاهبهم الكلامية ونزعاتهم الفقهية كانوا يحضرون هذا المجلس للإفادة أو الاستفادة، وفي حضورهم نفي قاطع لما نسبته إليه مؤسسة الحكم من سعي إلى الفتنة.
لقد كان يدعو إلى الثورة على النظام الفاسد، لا إلى الفتنة بين الشيعة وأهل السنة، ولهذا لم يتردد مفكروا السنة في حضور مجالسه، ولم تتردد السلطة القائمة ـ على الرغم من ادعائها الانتماء إلى المذهب الشيعي ـ في نفيه وإخراجه من بغداد.
وتكشف هذه الوقائع عن الأبعاد السياسية والاجتماعية الخطيرة لفكر ابن المعلم على السلطة القائمة المتحالفة مع نظام الحكم العباسي الفاسد في تلك الفترة من تاريخ الإسلام.
لقد لاحظ عدد من المفكرين في الإسلام إنّ استراتيجية إخضاع الأمة لإرادة الحاكم المستبد قد جرت على أيدي معاوية بن أبي سفيان. فالسطان: ظل الله في الأرض، وما يقع من ظلم وفساد وشر ومعاص إنّما هو بإرادة الله وفعله. والإنسان مجبر، مسير لا حول ولا قوة لـه، إنه كالقشة التي تلعب بها الرياح الإلهية.
وهكذا تعزز مفهوم الجبر، وكأنه المذهب الأدق تعبيراً عن روح الإسلام ومن ثم فقد تم إسقاط كلّ مسؤولية يمكن إنّ تضعها الأمة على كاهل الّذين تلاعبوا بمقدراتها، ومصيرها، وأبطلوا حريتها، وانتهكوا حقوقها. فكل ما كان يفعله الطغاة بحريتهم وإرادتهم يلقون بتبعاته على الله، وكل ما كان يمكن إنّ تقوم به الأمة ضدهم تتم السيطرة عليه بدعوى: إنّ الثورة عليهم عصيان لإرادة الله وتمرد على ما أوجد.
من هنا نفهم: كيف ارتبط نظام الحكم بمذهب الجبرية، بينما ارتبطت المعارضة بجميع صورها تقريباً بمذهب حرية الإرادة، فظهر تقارب غير منكر بين عدد من مدارس
__________________________________
1 ـ المنتظم لابن الجوزي 8: 11.