ـ(27)ـ
ودفاعه عن قدرة الإنسان على الفعل، ونفيه إنّ يكون ما يقع بالرعية من ظلم، وما يستشرى في مؤسسة الحكم من فساد، أمراً مراداً من الله، أو واقعاً بفعله. فالظلم والفساد من فعل الإنسان، أي: نظام الحكم القائم ورجاله، والله لا يفعل الظلم، ولا يقع منه فساد؛ لأنه عادل خير، وفعله كله حسن. وإذا كان الإنسان قادراً حراً، فإن عليه إنّ يغير الفساد الواقع بما يرتضيه الله لعباده من تقدم وعدالة ومساواة، مؤسسة جميعاً على التصور العقلاني للأشياء، والتخطيط العلمي القائم على مبدأ السببية.
وهكذا...، فإن الدفاع، "العدل الإلهي" نفي ـ في الحقيقة ـ لأن يكون الظلم الواقع مراداً من الله، أو واقعاً بقدرته، أي: هو نفي للمشروعية الدينية والعقلية لأعمال نظام الحكم القائم. وإذا أضفنا إلى هذا تقرير ابن المعلم لحرية الإنسان، وقدرته، ووجوب التزامه بمقاصد الشريعة وقيمها وغاياتها، فمن الواضح ـ عندئذ ـ إنّ ابن المعلم كان يدعو الموطنين في الدولة إلى الثورة والتغيير.
يفسر الفهم السابق لفكر ابن المعلم الأوصاف التي أطلقها عليه كتاب التراجم والمفكرون الّذين عاصروه.
فابن النديم يلاحظ دقة تحليلات ابن المعلم فيقول: (إنه كان دقيق الفطنة، ماضي النظر)(1). مثلما يلاحظ ابن حجر العسقلاني أنّه: (كان كثير الإكباب على العلم)(2).
وبهذا انتهت رئاسة متكلمي الإمامية إليه في القرن الرابع الهجري، لا سيما وأنه (حسن اللسان والجدل، صبور على الخصم)(3).
إذا كانت التقويمات السابقة تدور حول قدرات ابن المعلم العقلية، ومكانته بين مفكري الإمامية، فإن ما يكشف عن مكانته في الفكر الإسلامي والعربي عامة هو: تلك الأخبار التي نقلها عدد من مفكري المذهب السني، ومنها نستدل على: أنّه كان يعمل من أجل الأمة كلها، لا من أجل طائفة بعينها: (كان يناظر أهل كلّ عقيدة)(4)، (وكان لـه
__________________________________
1 ـ الفهرست لابن النديم: 226 و242.
2 ـ اللسان لابن حجر 5: 368، وانظر أيضاً ميزان الاعتدال 4: 30.
3 ـ الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان 1: 141.
4 ـ الشذرات لابن العماد الحنبلي 3: 200.