ـ(210)ـ
والفعل حتّى يكون دائماًُ في فكره وطاعته)(1).
فما تقدم من ذكر التوبة والإنابة لا يتحقق إلاّ بالمجاهدة والرياضة وبذلك المهج، وتهذيب الأخلاق وتزكيتها من الرذائل، والوصول إلى الله تبارك اسمه، والفناء فيه، وتحقق معنى قوله تعالى: [وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون](2).والعبادة قيام العبد بالطاعة على أحسن وجوهها، فغن ذلك لا يكون إلاّ من خلال الاعتماد على ظاهر الشريعة، وآداب السلوك عند أهل هذه الملة والأمة المرحومة، وما صدع به الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ من الورود في هذا الدين وعلى صراطه المستقيم.
قال العارف الرباني الإمام الخميني قدس سره: (واعلم: أن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلاّ بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحقة لا يحصل لـه شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة، وتنكشف العلوم الباطنية وأسرار الشريعة، وبعد انكشاف الحقيقة وظهور أنوار المعارف في قلبه سيستمر أيضاً في تأدبه بالآداب الشرعية الظاهرية، ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول: إنّ الوصول إلى العلم الباطن يكون ترك العلم الظاهر، وهذه الدعوى ترجع إلى جهل من يقول بها، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الإنسان)(3).
وقال جمال العارفين، محي الدين العربي في إصلاحات الصوفية في الفتوحات المكية، في ذكره لمعنى التصوف: (الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهراً وباطناً، وهي الأخلاق الإلهية)(4).
فعلم الظاهر يوصل إلى الباطن، والتأدب بآداب الشريعة والرياضة المشروعة والإقبال على الله ـ تبارك اسمه ـ وحبه وعشقه ورفض سواه كفيل بوصول الإنسان إلى غاية كماله ونهاية مآله، والتفويض إلى الخالق في كلّ شيء.
رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم وخاضوا بحار الحب دعوى فما ابتلوا
___________________
1 ـ بداية الأخلاق: 241.
2 ـ الذاريات: 56.
3 ـ الأربعون حديثاً لإمام الخميني 25.
4 ـ الفتوحات المكية: