ـ(204)ـ
العابد الوصول إلى مقام أرفع، ودرجة أعلى، بعد ذلك يصل إلى الكمال الحقيقي والفناء المطلق (وعدم الإحساس بعالم الملك والملكوت، وهو بالاستغراق في عظمة البارئ ومشاهدة الحق)(1) تبارك اسمه.
وخلاصة القول: إنّ الفرق بينهما ينحصر في قول العالم العارف النراقي رحمه الله حيث يقول: (التوبة: هي الرجوع عن الذنب إلى الله، والإنابة: هي الرجوع عن المباحات)(2).
حقيقة الإنابة:
لما كان حال الإنسان في هذه الدنيا لا يخلوا من ثلاث حالات هي: السلوك ما بعد السلوك، أي: الاحتجاب في عالم الطبيعة، والظلمة والسفر والسلوك، ومرحلة الفناء والوصول إلى المحبوب ـ حيث (لم يبق من آثار العبودية شيء، ونال الفناء الذاتي المطلق)(3) ـ كان الإنسان السالك والعبد الطالب محتاج إلى التوبة والإنابة في حال السلوك فقط، أما قبل السلوك فهي حالة الاحتجاب الكامل الذي لا حاجة فيها إلى هذه المطالب وتلك المشارب.
ولما كانت نهاية التوبة النصوح نيل العبد لتجلي الله ـ تبارك اسمه ـ باسمه التواب لقوله تعالى:
[فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم](4) ـ فكانت في حق الرب: (عبارة عن عودته إلى الإحسان اللائق بالربوبية)(5). حيث إنّ التواب الذي يقابل الدعاء بالعطاء، والاعتذار بالاغتفار، والإنابة بالإجابة، والتوبة بغفران الذنب ـ كانت حقيقة الإنابة: النيل من أنوار اسمه وتجلياته.
فمن سلك طريق الإنابة أصبح مظهراً لاسمه تعالى "المنيب" في وجوب اتباع طريق من عاد إلى عز الطاعة، والى حضرته تعالى بالتوحيد والإخلاص في الطاعة، قال
__________________________________
1 ـ التعريفات للجرجاني: 73.
2 ـ جامع السعادات 3: 89.
3 ـ الآداب المعنوية للصلاة، الإمام الخميني (رضي الله عنه): 381.
4 ـ البقرة: 37.
5 ـ شرح أسماء الله الحسنى، الفخر الرازي: 336.