ـ(188)ـ
وهذه الجامعة تعتبر أقدم جامعة إسلامية في أفريقيا بنتها امرأة اسمها فاطمة بنت محمّد بن عبدالله الفهري سنة 245 هجرية ثم توالى عليها البناء، لتصبح اليوم أثراً عظيماً من آثار الحضارة الإسلاميّة.
المهدي بن تومرت في تين مل:
في سنة 43 هجرية استولى المرابطون على المغرب، وكان الحكام ضعافا، فدب الفساد في البلاد، وكثرت الخمور والمفاسد والموبقات.
وفي هذه الدولة الفاسدة ظهر مصلح من آل محمّد، هو أبو عبدالله محمّد بن عبدالله بن تومرت (تومرت اسم بربري) ينتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ كما يقول ابن خلكان (1).
ولد سنة 485 هجرية في جبل السوس في أقصى بلاد المغرب ثم رحل إلى المشرق لطلب العلم. وكان المشرق آنذاك قد تخلص من مخلفات العصر الأموي فكراً وفقهاً وعاطفة، واتجه نحو مدرسة أهل بيت رسول الله، وشاع هذا الاتجاه بشكل خاص بين العرفاء والمتصوفة وفقهاء الشافعية في العراق وإيران.
في بغداد قضى ثلاث سنوات في النظامية، ودرس فيها على الغزالي والكياهراسي، وفي مصر التقى بالطرطوشي الفقيه، ثم التحق بطوس ونيسابور في خراسان شرقي إيران، حيث الفقهاء الشافعية الموالون لآل البيت. ويقول ابن خلكان إنه "اطلع من علوم أهل البيت على كتاب يسمى الجفر"، ومهما كانت صحة الرواية فأنه من الواضح أن الرجل تشرب بروح الإصلاح العلوية الثائرة، وعاد إلى بلاده وهو قد بنى شخصيته الإسلاميّة التي تأبى الرضوخ للانحراف والظلم. ويقول عنه ابن خلكان أيضاً:
"كان ورعاً ناسكاً، متقشفا مخشوشناً، مخلولقا كثير الإطراق، بساماً في وجوه الناس، مقبلا على العبادة، لا يصحبه من المتاع إلاّ عصاً وركوة وكان شجاعاً، فصيحاً في لسان العربي والمغربي، شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع "(2).
__________________________________
1 ـ انظر ترجمته في وفيات الأعيان، رقم 688 في الجزء 5: 45 ـ 55.
2 ـ وفيات الأعيان 5: 46.