ـ(189)ـ
أول دخوله المغرب بعد عودته من المشرق كان في مدينة "المهدية"، وبدأ فيها أوّلاً بكسر أواني الخمر وآلات الطرب، وتدريس علوم الدين(1).
وبعد سلسلة نشاطات دخل ابن تومرت وتلميذه عبد المؤمن مدينة "مراكش" فقام هناك أيضاً بكسر أواني الخمر، واعتراض النساء السافرات وتوبيخهن "وكانت نساء المرابطين يسرن سافرات، وحدثت حادثة أدت إلى محاكمة ابن تومرت في بلاط علي بن يوسف، وهي اعتراض أخت أمير المسلمين في موكبها من لدن ابن تومرت الذي وبخها على سفورها، وأسقطها عن راحلتها.."(2).
ودخل ابن تومرت في مواجهة سياسة علنية مع السلطة، حين حشد أنصاره في "تين مل"(3)، وهي منطقة جبلية تقع مغرب مدينة "مراكش"، واستطاع أن يحقق انتصارات ساحقة، مركزاً على الإخلاص في عقيدة التوحيد، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أساس القرآن والسنة، وعلى الإعداد لظهور الإمام المهدي المنتظر.
وقد جمع الأحاديث المروية بشأن ظهور المهدي وأشاعها بين أتباعه. وفي كلّ هذه الاتجاهات الإصلاحية لابن تومرت يظهر فكر أهل البيت فيها واضحاً.
وينقل ابن خلكان عن صاحب كتاب "المغرب في أخبار أهل المغرب" أنّه قال في حق ابن تومرت:
آثاره تنبيك عن أخباره حتّى كأنك بالعيان تراه
قدم في الثرى، وهمة في الثريا. ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا أغفل المرابطون حله وربطه، حتّى دب دبيب الفلق في الغسق، وترك في الدنيا دوياً أنشأ دولة لو شاهدها أبو مسلم لما كان لعزمه فيها بمسلم، وكان قوته من غزل أخت لـه، رغيفاً
__________________________________
1 ـ المغرب عبر التاريخ 1: 249.
2 ـ المصدر نفسه: 251.
3 ـ يضبطها ياقوت بثلاث لامات (تين ملل): جبال بالمغرب بها قرى ومزارع يسكنها البربر، بين أولها ومراكش ثلاثة فراسخ (معجم البلدان 2: 69).