ـ(186)ـ
ولو راجع الأستاذ الفاسي كتاب "نهج البلاغة" لرأى أن إدريس يتحدث عن صفات الله في ندائه كما يتحدث جده علي ـ عليه السلام ـ، لا يسلك في ذلك نهج الأشاعرة ولا المعتزلة، فمدرسة آل البيت أعرق من هذه الاختلافات في الأصول.
أما بيعة مالك لأخيه محمّد، فتدل على أن مالكاً وسائر فقهاء المدينة كانوا لا يؤمنون بشرعية الخلافة العباسية، ولا بصحة البيعة التي أخذت من الناس للخليفة العباسي، وإذا كان لابد من خليفة، فهذا البيت العلوي أحق بها. والنفس الزكية سمي بهذا الاسم لزهده ونسكه كما يقول المسعودي(1) وهو من سادات بني هاشم ورجالهم، فضلاً وشرفاً وديناً، وعلماً وشجاعة، وفصاحةً ورئاسة، وكرامة ونبلاً، كما يقول ابن الطقطقي(2).
ومن هنا فإنه حين أقبل أهالي المدينة على الإمام مالك بن أنس، يستفتونه في الخروج مع محمّد النفس الزكية، وقالوا لـه: إنّ في أعناقنا بيعة لأبي جعفر (المنصور) قال مالك لهم: إنّما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين وكذلك انضم إلى محمّد النفس الزكية محمّد بن عجلان، وكانت لـه حلقة في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يفتي الناس فيها ويحدثهم، حتّى إذا قامت الثورة شارك فيها وانضم إليه أيضاً عبدالله بن جعفر بن مخرمة، وكان من أبرز علماء المدينة في الفقه والحديث والفتوى(3).
والتاريخ يحدثنا عن مواقف أخرى لفقهاء المذاهب الإسلاميّة وقفوها مناصرين ومؤيدين لثورات أهل البيت ولأئمة أهل البيت، مما يدل على تسامي مدرسة أهل بيت رسول الله على الخلافات المذهبية، وأستاذيتها وأبوتها لكل المسلمين.
ومن هنا ما كانت كلمة "أهل البيت" و"شيعة أهل البيت" مبغوضة لدى المسلمين حتّى يشنع العباسيون بها، على إدريس كما يقول الأستاذ الفاسي، فالعباسيون حصلوا
__________________________________
1 ـ مروج الذهب 3: 295.
2 ـ الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلاميّة: 148.
3 ـ انظر: جهاد الشيعة، سيرة مختار الليثي: 130 ـ 131.