ـ(145)ـ
الأنانيات والعصبيات الباعثة على التفاخر، ثم التنافر، فالتقاطع، فالتدابر، فدك العنصريات، وسحق القوميات، واستهلاك العصبيات. فصرح الوحي على لسان الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وآله ـ
[يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم..]، ثم زاد وأوضح البيان: "الناس كلهم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى"(1)، "ليس منا من دعا إلى عصبية"(2) يعني: لا فخر بعجمية ولا عربية، ولا هندية، ولا تركية، وإنّما الفخر بالعمل الصالح والمزايا الطيبة، فالعصبية والأنانية هي كلّ الداء، والاعتماد على الفضيلة هو منتهى الدواء.
لقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ينادي في كلّ ملأ ومجتمع "أما والذي نفس محمّد بيده، إنكم لن تدخلوا الجنة حتّى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتّى تجتمعوا، ولن تجتمعوا حتّى تتحابوا..."(3).
ثم مضى على ذلك صحبه الكرام، فساروا على خطه ومنهجه واحداً بعد واحد، فكانوا إخواناً على صفاء...، حتّى خاضوا البحار وملكوا الأقطار، وهم أعراب بادية لا درس ولا مدرسة، ولا كتاب ولا مكتبة، وبنفس المضمون يقول الإمام علي ـ عليه السلام ـ: "إياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه"(4)، ويعني بهذا الشعار: شعار التفرقة.
يرى الإمام كاشف الغطاء رحمه الله أن هناك أفقاً أوسع للوحدة، يشمل الوحدة بين المسلمين وغيرهم من الكتابيين، حيث يقول: (وحدة الإيمان تدعو إلى وحدة اللسان، ووحدة اللسان واللغة رابطة، والرابطة إخاء، وأخوة الأدب فوق أخوة النسب، وهي التي توحد العناصر المختلفة والمذاهب المغاير، فالنصراني، واليهودي، ولمجوسي والصابئي
__________________________________
1 ـ الدر المنثور للسيوطي 6: 99.
2 ـ سنن أبي داود: 5121، الكامل في الضعفاء لابن عدي 3: 5..1.
3 ـ تفسير ابن كثير 7: 278.
4ـ نهج البلاغة، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، الخطبة 127: 184.