ـ(136)ـ
والعطارون، وصيادوا السمك، وبائعوا الدجاج والصابون والدقيق والحبوب والقطن والدلاء، والأحواض الجلدية والأوعية والظروف.وهناك الحدادون والقصارون، إلى آخر اللائحة الطويلة العريضة التي قدمها، وكان المهم فيها: أن المهن المتكاملة توجد في أمكنة متقاربة في السوق، بحيث لا يشعر المستهلك بأي تعب وهو يقضي حاجاته(1).
فالذي يهمه أمر التموين سيجد: أن الجزارين على مقربة من الخضارين، وعلى خطوة ما، بائعي التوابل والزيوت. والذي يهمه أمر الخيول سيجد نفسه على مقربة من السراجين والحدادين ومعالجي أمر الخيول.. إلى آخره. والذي يهمه أمر الثياب سيجد: أن الأقمشة على اختلافها توجد في المكان الذي يحمل اسم "القيصرية"(2). فهناك سوق الكتان، وسوق الملف، وهناك الخياطون وبائعوا الحرير والأزرار..، وهكذا، فإن الناس كانوا لا يشتكون بالأمس مما يشتكونه اليوم من الفوضى التي ضربت بإطنابها على الأسواق عندنا، فشوهت ملامحها ونالت من جمالها فنحن نعيش اليوم مع أسواق طابعها الارتباك والاختلاط، فحوانيت القماش بني إلى جانبها متجر لبيع الدراجات، وحوانيت الكتبيين انتصب إلى جانبها دكان لبيع الطماطم..!
ومن الطريف أن نجد الحسن ابن الوزان ـ وهو يتحدث عن سوق العطارين بمدينة فاس ـ يتذكر سوق العطارين بمدينة تبريز، ويقوم بمقارنة ومفارقة بين السوق في العاصمة العلمية فاس، وبين السوق في عاصمة إقليم أذربيجان: تبريز، التي كان قد زارها من قبل، والتي يعطيها اسم "توزير"(3)، ومن الطبيعي أن نجد الرحالة المغربي يفضل تصميم سوق العطارين بفاس على سوق العطارين بتبريز خاصة وأن دكاكين هذا
__________________________________
1 ـ التراتيب الإدارية 1: 284.
2 ـ يعطينا ابن الوزان هنا معلومات عن هذا الاسم، فيذكر: أنّه اسم قديم يشير إلى قيصر أكبر ملوك عصره بأوروبا، ومعلوم: أن جميع ساحل المغرب القديم كان خاضعاً للروم، وكل مدنه كانت تحتوي على سوق يحمل هذا الاسم الذي قد يتحرف إلى (قيسارية)، وقد كان للموظفين الرومانيين متاجر متناثرة هنا وهناك، ففكر أحد الأباطرة في إحداث شبه مدينة صغيرة داخل كلّ مدينة يجتمع فيها التجار المتميزون، ويحفظون فيها ماتقاضوه.
3 ـ خفي هذا الاسم "توزير" على الّذين ترجموا كتاب ابن الوزان إلى العربية من المشارقة والمغاربة فاكتفوا بالقول بأنها طوريس، إحدى مدن فارس، ولم يوضحوا أنها هي بالذات مدينة "تبريز"