ـ(137)ـ
الأخير عبارة عن أروقة شبه مظلمة بالرغم من أنها مبنية بأناقة على أعمدة من رخام.

تصاميم الأسواق:
وقبل الحسن ابن الوزان نجد رحالة مغربياً آخر يزور مدينة تبريز، ويؤدي وصفاً دقيقاً لسوقها المعروف باسم "قازان"، لقد نعتها بأنها سوق عظيمة، قوال: (إنها من أحسن أسواق بلاد الدنيا ترتيباً ونظاماً، كلّ صناعة فيها على حدة لا تخالطها أخرى، واجتزت ـ يقول ابن بطوطة ـ سوق الجوهريين، فحار بصري مما رأيته من أنواع الجواهر..، ودخلنا سوق العنبر والمسك فرأينا من ذلك أعظم...، وبعد أن يصف المسجد الجامع الذي كان عليه ذلك العهد، يقدم وصفاً للجدران التي كانت مزخرفة بالقاشاني (1). الذي يسمى في المغرب بالزليج.
وإذا كان الرحالة ابن بطوطة فاته ذكر القيصرية التي كانت تحتضنها تبريز، فإنّه ذكر القيصرية التي زارها في بلاد الشام. وعلى ذكر قيصرية فاس لا يفوتني أن أسجل هنا ظاهرة حضارية تعتبر قمة فيما بلغه السلوك الأخلاقي في بعض الأحيان.
لقد عرفت قيصرية فاس وقفاً خاصاً، لقرض صغار المستثمرين من التجار والصناع، تشجيعاً لهم على مواصلة نشاطهم في بداية خطواتهم.
وهكذا وضعت الدولة مبالغ من المال في صندوق بالقيصرية جعل رهن إشارة المحتاجين، يأخذون منه ما يشاؤون ويرجعونه عندما تنتهي الحاجة. لقد تمت هذه التجربة ـ على ما يبدو لي ـ أيام السلطان المولى إسماعيل جد الأسرة العلوية الحاكمة. فقد ورد في حواشي الإمام ابن عرفة الدسوقي المالكي المصري على شرح أبي البركات الشهير بالدردير على مختصر الشيخ خليل، نقلاً عن حاشية شيخ مشايخه العلامة محمّد البليدي المصري على الزرقاني على مختصر خليل: أنّه كان في قيصرية (أو قيسارية) فاس ألف أوقية من الذهب موقوفة للسلف، فكان الناس يأخذون منها ما تدعو إليه حاجتهم، غير أنّه من المؤسف أن الّذين فكروا في إنشاء هذا "البنك" لم يفكروا في إنشاء
__________________________________
1 ـ الدكتور التازي في "إيران بين الأمس واليوم": ص 80، نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي لسنة 1404 هـ = 1984 م.