ـ(134)ـ
الإسلاميّة للأجانب فكرة سيئة عن الصانع المسلم (1).
ونظراً لما يتميز به السوق ـ أي سوق كان ـ من اختلاط الديانات المتعددة ن والأجناس المختلفة، فقد عالجت كتب الحسبة تعامل المسلمين مع غيرهم من الملل والنحل، وتصورت ما يمكن أن يحدث بين هؤلاء وأولئك من نوازل وحالات، مما جعل كتب الحسبة معدودة من بين مصادر القانون الدولي العام.
وعلى نحو ما قلناه سابقاً من: أن ابن عبدون كان يفرض على المحتسب أن يحتفظ لـه "بقوالب" في محكمته، تكون نموذجاً يرجع إليه عند الحاجة في شؤون البناء والعمران كذلك، فقد كان من المعهود نصب لوحة من مقياس "ذراع" في واجهات أسواق الثياب، تكون مرجعاً للذين يشترون قماشاً ويشكون في قياس الثياب.
وقد فتحنا أعيننا بمدينة فاس على "قالة" مغروسة على جدار السوق يلجأ إليها المشتكون، لقد كان هناك ثلاث "قالات": اثنتان ترجعان لتأريخ ـ 755 هـ = 1354 م ـ عهد السلطان أبي عنان من بني مرين، والثالثة ترجع لتاريخ ـ 1234 م ـ عهد السلطان المولى سليمان من ملوك العلويين، وقد نقش على هذه ما يلي:
(الحمد لله، هذا قياس قالة القيسارية بالحضرة الإدريسية، حققها محتسب أمير المؤمنين مولانا سليمان، نصره الله وأيده، وخلد في الأنام وجوده، وذلك عام أربعة وثلاثين ومائتين وألف).
ومعنى كلّ هذا: أن دور المحتسب في السوق كان دوراً حاسماً، وأن كلمته كانت الكلمة الأولى فيما يتصل بضبط سير الأسواق، سواء كانت الأسواق للبيع بالجملة أو للبيع بالتقسيط.
وإذا ما رجعنا إلى كتاب "وصف أفريقيا" للحسن ابن الوزان(2). فسنجده يتحدث
__________________________________
1 ـ ابن زيدان في "إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس": ج 4 ص 462، الطبعة الثانية إيديال الدار البيضاء، والدكتور التازي في "أمير مغربي في طرابلس": ص 18، سنة (1976 م) نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي. وراجع التراتيب الإدارية 2: 163.
2 ـ الحسن ابن الوزان شخصية إسلامية معروفة، عاشت اسرته بالأندلس، وولد بغرناطة، وانتقل لمدينة فاس فتعلم بها، لـه عدة رحلات، كان منها: رحلة إلى تبريز للقاء السلطان "سيلم" سفيراً لديه من قبل ملك فاس عام (923 هـ = 1517 م )، وعند عودته عام (926 هـ = 1520 م) وقع في أيدي القراصنة الإيطاليين الّذين قدموه هدية إلى البابا في روما فمسحوه وأصبح اسمه: "ليون الافريقي". من كتبه: "وصف إفريقيا" الذي ترجم عن الإيطالية إلى الفرنسية من قبل " A.EPAULAR"، وعن الفرنسية ترجمه الدكتور محمّد حجي، ومحمد الأخضر، الطبعة الثانية دار الغرب الإسلاميّة (1983 م).