ـ(133)ـ
وتوجد في المغرب إلى عهد قريب أسواق خاصة بالنساء لا يدخلها غيرهن، ولها جوانب يختص كلّ جانب بمهنة، وعلى كلّ مهنة عريفة، وتشرف على السوق كله رئيسة تفصل فيما ينشأ بين البائعات والمشتريات من خلاف.
ومن العجب ما ذكره العقباني التلمساني: أن النساء كن يخرجن لمجالس تجمعهن، في مكان يغزلن فيه عند امرأة واحدة في منزلها، ما تدعوهن هي لغزله من كتان أو صوف، إعانة أو رفقاً، وهم يسمون ذلك بـ "التويزة" التي تعني بالدارجة المغربية: العمل المشترك، أو الخدمة المشتركة.
وجاء تدخل المحتسب في مثل هذه التجمعات من حيث ما قد تؤدي إليه من سوء العشرة بين الزوجين. وفي مقابلة "التويزة" هذه تحدثت كتب الحسبة عن نازلة طريفة قد تقع في السوق، وهي: اتفاق التجار على إخلاء السوق في فترة معينة لصالح واحد منهم، جبراً لخاطره، أو تشجيعاً لـه على مشروع هو بصدده..، وتدخل المحتسب يجيء هنا فقط لحماية الأسعار من التصرف الفردي.
وقد تعرضت كتب الحسبة لاختصاصات التجار والصناع بدقة متناهية.. وتحدثت عن اهتمام كلّ فرع من هذه الفروع بما يجري في دائرته، فتحدثت عن المنكرات المتمثلة في عقود المعاوضات وغير ذلك، مما يقضى به للعامة على الخاصة في كلّ الأزمان. وكان مما تناولته تلك المصادر: ما يقع أحياناً في المزاد العلني للكتب من تحيل على المشترين لإيقاعهم في الفخ. وقد كان بسوق الكتبيين بالمغرب بعض رجال الفضل ممن يعرفون بقيمة "المخطوط "، فهم الّذين يعطون للدلال المبلغ الأول الذي يبتدئ به عرض الكتاب على المتزايدين.
ومن خلال اهتمامات المحتسب نراهم يعالجون قضايا الغش: في القطان، والزيوت والدهون، والألبان، واللحوم، والفواكه، والخبز والتوابل، والملابس، والأحذية، والأملاح، والجواهر، والأحجار الكريمة.
ولقد كان المحتسب مسؤولاً في بعض الأحيان عن التجارة الخارجية، أي: عن العلاقات الدولية فيما يتصل بالمبادلات التجارية، وهكذا وجدنا أن الدولة تحتكم إليه فيما يصدره الصناع إلى الخارج، وهل أنّه سالم من الغش والزيف حتّى لا تعطي الصناعة