ـ(130)ـ
بالتاجر أو الصانع الذي تتكرر خيانته من أهل السوق، فيعرض بصنيعه ذلك سمعة السوق للسوء! هنا يصبح من واجب المحتسب ـ إنقاذاً للسوق من مثل هؤلاء العابثين ـ أن يضرب على أيديهم، ويؤدبهم بما يراه رادعاً لهم.
وابن بسام هنا يروي: أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ـ عليه السلام ـ أمر بضرب رجلٍ وجب عليه الحدّ، فقال لـه وهو يضربه: قتلتني يا أمير المؤمنين! فقال لـه الإمام: الحقّ هو الذي قتلك، قال: فارحمني! قال: لست أرحم بك ممّن أوجب عليك الحدّ...!
وبعد أن يقدّم ابن بسام هذا الموقف من الإمام علي ـ عليه السلام ـ، يقرر عقوبة أخرى من العقوبات التي يمكن أن ينزلها المحتسب بالمخالفين للنظام في السوق، ويتعلق الأمر بإبعادهم وتنحيتهم من ذلك السوق(1)، وهذه العقوبة من المحتسب للمتساهلين والغاشين تعتبر في نظرنا من أشد العقوبات وأقساها؛ ذلك لأنها تحرم المعني بالأمر من حصانة السوق وحمايته أمام الراي العام في لائحة الخونة للأمانة، وكذلك فإن ذلك الإبعاد يقضي عليه من الناحية المادية، يجعله في عداد العاطلين نتيجة إصراره وعناده.
وإذا ما انتقلنا إلى بعض المؤلفات المغربية من التي تناولت موضوع الحسبة وخاصة ما يتصل بالسوق، فإننا سنجد أنفسنا أمام عدد كبير من المؤلفات والرسائل والفتاوى، ولكنها ـ كما قلنا سابقاً ـ سنقتصر على إعطاء نماذج لبعضها، وأقصد: إلى ابن عبدون الأندلسي، والعقباني التلمساني، وابن الوزان الفاسي.
ففيما يتصل بمحمد بن أحمد بن عبدون الأندلسي، نجد أنّه كان من أكثر المهتمين بالناحية العمراينة في رسالته عن الحسبة سالفة الذكر فقد تحدث ـ مثلاً ـ عن تنظيم حركة الموانىء التي تزود الأسواق بالسلع والبضائع، وعقد فصلاً هاماً بعنوان "فصل في المباني وإصلاح الطرق " وكأنه في هذا الفصل كان يخطط لبناء مدن وأسواق مهددة بالزلازل! وهكذا فقد ذكر: أن المباني تعتبر مأوى الأنفس والمهج والأبدان، فيجب إذن تحصينها وحفظها؛ لأنها مواضع حفظ الأموال والمهج، فمن الواجب أن ينظر في كلّ ما
__________________________________
1 ـ نهج البلاغة 3: 100، والنهاية للشيخ الطوسي: 374، ومستدرك الوسائل: باب21 من أبواب التجارة ج 12.