ـ(129)ـ
الأسواق ودروبها؛ مما قد يشوش على المسلك المعهود للناس، أو يحدث أذى أو ضرراً بالسالكين والعابرين. كما اهتمت كتب الحسبة بما ينبغي أن تكون عليه الشوارع والطرقات من احترام للأخلاق كذلك، فلا يجلس الرجال في عرض الطريق التي يمر فيها النساء، ولا تقف النساء على أبواب بيوتهن للتطلع إلى الرجال (1).
وقريباً من هذه التعليمات المتصلة بالسوق نجدها أيضاً عند ابن بسام المحتسب في كتابه "نهاية الرتبة"(2). وهكذا فقد خصص الباب الثاني من الكتاب للنظر في الأسواق والطرقات، وهنا ردد تقريباً نفس المعلومات التي قدمها لنا الشيزري، لكنه عندما كان يتحدث عن ضرورة الفصل بين الدكاكين التي ترجع للعطارين والبزازين، والدكاكين الأخرى التي تحتاج إلى وقود نار، ذكر في جملة الأمثلة لهذه الأخيرة دكاكين "الجردقاني" التي قال عنها المحقق: إنها نسبة إلى الجردقة، وهي: الرغيف، قال: وهي فارسية، ومعناها: المستدير.
وعلى نحو ما فعله الشيزري وجدنا: أن ابن بسام يعرض في فصل تنظيم الأسواق إلى ما يتصل بالتسعير الذي من شأنه ان يضمن الأمن والاستقرار في الأسواق، وكذا ما يتصل بالاحتكار باعتباره يكون في بعض الأحيان عدوانا سافراً على المستهلكين.
وفي نفس السياق تحدث ابن بسام عن قضية حماية الأسواق من التلوث، فمنع مرور أحمال الحطب وما أشبهها مما قد يؤذي المارة، وقد استدل بالحديث الشريف الذي يقول: "لا ضرر ولا ضرار"(3). على وجوب احترام قوانين السير في الطرقات والأسواق.
وابن بسام ـ وهو متأخر عن الشيزري ـ يقدم من خلال تجربته في الحسبة تعليمات كلها تتصل بفرض النظام، وضرورة الالتفات إلى الغير عندما تتعلق رغبتنا بإنشاء جديد في مبانينا.
والطريف عند ابن بسام أنّه يختم هذا الباب الثاني بنازلة فقهية مهمة: ويتعلق الأمر
__________________________________
1 ـ راجع من لا يحضره الفقيه 2: 8، ووسائل الشيعة: ب 30 من أبواب آداب التجارة ج 12.
2 ـ نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام، تحقيق وتعليق حسام الدين السامرائي، ساعدت جامعة بغداد على نشره، مطبعة المعارف، بغداد 33 / 1000 / 1968م.
3 ـ وسائل الشيعة: كتاب إحياء الموات باب 12 ح 3 ت 5 ج 12، عنه عوالي اللئالي 1: 22.