ـ(128)ـ
ـ عندما تكثر الأشغال عليه ـ بتعيين أمين لكل مهنة أو حرفة في السوق يكون بمثابة النائب عنه (1)، والممثل لـه لدى أهل تلك الحرفة، وهذا الأمين يسمى عند قوم بالعريف ويختار ـ عادة ـ من أهل الصلاح والثقة، ومن أهل الخبرة التامة بصناعة أهل الحرفة، وبما يمكن أن يقوم به الحرفيون، من غش وتدليس في مهنتهم، يبقى هذا الأمين على صلة مستمرة بالمحتسب يطالعه أخبار ذلك السوق وما يجلب إليه من السلع والبضائع، وما تستقر عليه الأسعار والكشف عن أحوال النقد المتداول، وغير ذلك من المعلومات التي يلزم المحتسب معرفتها وهم يستدلون على ابتكار وظيفة الأمين بقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ "استعينوا على كلّ صنعة بصالح أهلها"(2).
وقد كان من أهم الموضوعات التي أثارها وجود المحتسب، أو الأمين النائب عنه في السوق ما يتصل بقضايا التسعير، وهل أن من حقه أن يفرض سعراً خاصاً لكل بضاعة، أم أنّه يكل الأمر إلى ما يتفق عليه أهل السوق ؟ ونحن نعرف أن قضية التسعير تعتبر من القضايا التي ظلت مطروحة منذ العهد الأول للإسلام.
وإضافة إلى قضية التسعير تثار قضية الاحتكار أو الحكرة، التي تعتبر في الحقيقة وسيلة لابتزاز الجماعة الإسلاميّة، وحتى نضمن نظافة الأسواق وتطهيرها من كلّ ما يشينها وجدنا أن كتب الحسبة تمنع أحمال الحطب، وأعدال التبن، وروايا الماء، وسلال الأزبال، وأزيار الرماد وغيرها من الدخول إلى الأسواق؛ لما فيها من إلحاق الضرر بالمارة في لباسهم، وفي هندامهم، وفي سيرهم، ويعتبر هذا منتهى التحضر في إعداد الأسواق وتهيئتها وأكثر من هذا أن يلزم المحتسب، أو الأمين الذي يقوم مقامه في الأسواق أهل الأسواق بكنس أسواقهم باستمرار، وتنظيفها من الأوساخ التي تلحق بها، وكذا إزاحة الطين والوحل المتجمع بها أثناء نزول الأمطار، أو ما شابه ذلك من ترسب الثلوج أو انتشار الغبار.
ولم تهمل كتب الحسبة التجاوزات الأخرى التي يمكن أن تحدث في ساحة
__________________________________
1 ـ انظر نهج البلاغة 3: 100 والغرر والدرر: الحديث 606، ووسائل الشيعة: ب 27 من أبواب التجارة ج 12، ودعائم الإسلام 2: 36.
2 ـ كشف الخفاء للعجلوني 1: 134.