ـ(127)ـ
ويحتاط الشيزرى للمارة أكثر، فيذكر: أن السوق ينبغي أن يتوفر في جانبيه على فريزين يمشي عليهما الناس في زمن الشتاء، إذا لم تكن أرضية السوق مبلطة ويمعن الشيزري في الاحتياط لجانب المارة، فيطلب إلى المحتسب أن يمنع التجار في الأسواق من إخراج مصاطب دكاكينهم عن سمت السقائف الأصلي، والمصطبة تعني: بناء من الحجر أو من الخشب بواجهة الدكان، يبلغ ارتفاعها عن الأرض نحو الذراعين، ويكون سطحها في مستوى أرضية الدكان، ويجلس عليها صاحب الدكان مع زبائنه.
لقد اعتبر الشيزري ذلك التصرف من التجار خروجاً عن القانون، ونعته بأنه "عدوان على المارة"، وطالب المحتسب بوجوب إزالة هذا المنكر والمنع من فعله؛ لما في ذلك من لحوق الضرر بالناس(1).
وبعد أن يضمن الشيزري الحق للمواطنين في التوفر على ممرات نظيفة في السوق، ينتقل إلى ترتيب آخر من الأهمية بمكان؛ ذلك أن يقوم المحتسب بتخصيص كلّ مهنة بسوق خاص بها؛ حتّى يقصد المستهلكون أصحاب تلك المهنة في المكان المعد لها بسهولة، فإن ذلك لاقتصادهم أرفق، ولصنائعهم أنفق على حد تعبير الشيزري.
وسنرى: أن هذا التوزيع من لدن الشيزري هو الذي سلكه المخططون لإنشاء المدن الإسلاميّة الكبرى في معظم الأحيان على ما سنرى.
وتنتقل كتب الحسبة بعد هذا إلى ترتيب حضاري آخر أثار انتباه سائر الّذين ما رسوا أمر الحسبة ولم يتساهلوا فيه، بل واعتبروه أساساً لتخطيط السوق الإسلاميّة في المدينة، ويتعلق الأمر بضرورة فصل أماكن الصناعات بعضها عن بعض حسب اختصاصاتها، وحسب قضاءاتها، وهكذا فإن الصناعات التي يلازمها الدخان ـ مثلاً ـ كالخبازين، والطباخين، والحدادين، لا ينبغي أن تكون قريبة من الحوانيت أو الدكاكين التي يتجر فيها أصحاب العطور، أو الحوانيت التي تتولى بيع البز والثياب؛ لعدم المجانسة بين التجارتين، وحصول الإضرار بالناس كما يقول الشيزري.
وقد كان مما يندرج في ترتيب السوق وإحكام ضبطه وتنظيمه، أن يقوم المحتسب
__________________________________
1 ـ راجع كمال الدين وتمام النعمة: 266، والكافي للكليني 7: 406.