ـ(126)ـ
للسلطان صلاح الدين الأيوبي، ونأتي بعده على كتاب ثان يحمل نفس العنوان، ولكنه من تأليف محمّد بن بسام المحتسب الذي عاش في القرن الثامن الهجري، على أن نتعرض لمؤلفات أخرى من التي تناولت السوق في المغرب، وقد قصدنا بالجمع بين هذه المصادر إعطاء صورة متكاملة لما يفكر فيه هؤلاء المؤلفون إزاء السوق.
لقد أمدتنا كتب الحسبة ببعض مظاهر العمران، فأتاحت لنا الفرصة لتصور ما كان بالأمس، وما هو عليه الأمر بالنسبة لحاضرنا.
فالشوارع والطرقات العامة كانت تحظى بعناية المحتسب، باعتبار أن استغلالها يدخل في نطاق المصلحة العامة التي عليه أن يقوم برعايتها، فهو يمنع من يريد أن يبني بنياناً يضايق الناس وهم يقطعون الطريق والمحتسب يمنع أن يقوم المرء بأخذ جزء من الطريق ليضمه إلى مبناه. والمحتسب يرغم من لـه جدار متداع للسقوط على ترميمه أو هدمه حفظاً لحياة المارة. وهو لا يمسح أن تكون الميازيب ظاهرة زمن الشتاء؛ حتّى لا تنفذ منها مياه الأمطار وتنزل على العابرين، فيجب عليه أن يأمر أصحاب تلك الميازيب بأن يتخذوا لها قنوات مدفونة داخل الجدار، كما أنّه يأمر أصحاب الدور بأن يغلقوا مجاري الأوساخ ومخارجها التي تخرج إلى الطريق العام. وأن يحفروا حفراً داخل الدور تجتمع فيها هذه الأوساخ تماماً، على نحو ما أمر به الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ على ما قلنا في بداية هذا الحديث (1).
وبالنسبة للأسواق وجدنا أن الشيزري ينص على أن تكون في ارتفاعها واتساعها مثلما كانت الأسواق الرومانية القديمة، ومعلوم أن الأسواق في الدولة البيزنطية كانت تقام غالباً حول الميادين والمعابد والكنائس، وكانت الدكاكين تنشأ على جانبي الشوارع المختلفة، وقد جعل لكل صنف من أصناف التجارة موضع خاص، وبنيت السقوف فوق تلك المواضع لحماية المارة من وهج الشمس أو ضخات المطر، ولذا سميت تلك الأسواق أحيانا بالسقائف، وقد كانت شائعة في أسواق القسطنطينية وغيرها من المدن التي كانت خاضعة للروم.
__________________________________
1 ـ انظر بحار الأنوار 72: 49، و 73: 351.