ـ(116)ـ
والمدنية الناجمة عن العلم والصناعة تؤخذ من الغرب اليوم كما أخذها الغرب عن المسلمين فيما مضى، وكما أخذها المسلمون عمن سبقهم من الشعوب حين اتصلوا بهم، ونقلوا عنهم أشكال أبنيتهم وملابسهم وأوانيهم وغيرها، مما ليس فيه شارة الكفر وعلامات دياناتهم، ومما لا يتناقض مع عقيدة الإسلام ومفاهيمه عن الحياة، وأخضعوها لوجهة نظرهم في الحياة.
ذكر: أن خالد بن إبراهيم أحد قواد المسلمين غزا أهل "كثر" من بلاد الصين وأخذ منهم الأواني الصينية المنقوشة ما لم ير مثلها، ومن السروج ومتاع الصين شيئاً كثيراً، فحمل المغنم إلى أبي مسلم الخراساني وهو بسمرقند. كما أخذ المسلمون صناعة الورق من الصين، وزادوا عليها وعمموها حتّى انتشرت مصانع الورق في رقعة العالم الإسلامي: في "بورة" قرب دمياط، وسمرقند وبغداد والأندلس ودمشق وطرابلس وحماه وغيرها، وكان منه أنواع: الفرعوني، والسليماني والجعفري والطلحي والطاهري، وعن المسلمين انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا عن طريق إسبانيا والرومانيين والصليبيين، واستقرت في ألمانيا.
وذكر البلاذري في كتابه "فتوح البلدان": (أن القراطيس كانت تدخل بلاد الروم من أرض مصر، وتدخل الدنانير إلى بلاد العرب، وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتضع الصليب، فأمر عبد الملك بن مروان ـ (الخليفة الأموي) ـ أن يكتب في رؤوس الطوامير "قل هو الله أحد" بدل المسيح، فكتب إليه ملك الروم في ذلك وهدده، وطلب إليه أن لا يوضع في الدنانير تعريف للنبي محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، فكان من أثر ذلك ضرب عبد الملك للنقود.
والحضارة الإسلاميّة تختلف عن الحضارة الغربية اختلافاً بيناً، فالحضارة الغربية تقوم على ما يلي:
1 ـ النزعة المادية التي تؤمن بالمادة وحدها، وتفسر بها الكون والإنسان والحياة، وتنكر الغيبيات، ولا تؤمن إلاّ بالمحسوس المنظور.
2 ـ فصل الدين عن الحياة، أي: أن الإيمان بالله والغيبيات شيء لا علاقة لـه بالممارسات العملية اليومية للإنسان. والعلاقات إنّما تقوم على أساس الفصل.
والذين يفصلون الدين يؤمنون بالتثليث والأقانيم الثلاثة ويتمسحون بالصليب،