ـ(77)ـ
المنهج الذوقيّ (الإشراقيّ):
ومن هنا نصل إلى اتجاه متمايز آخر يضع المباحث الكلامية على طاولة البحث، ويسلك فيها المسلك الرمزي الذوقي الخاص بالصوفية، الذي يختلف تماماً عن مسلك المتكلمين القائم على العقليات، ثم على السمعيات.
والإمام الغزالي من أكبر رواد هذه الطريقة، فهو يقول في كتابه(إلجام العوام عن علم الكلام): بأن هذا طريق الخاصة، وما دونه طريق العامة، ومن لا يفترق عنهم (أي: العامة) سوى أنه يعرف الأدلة، وليس الاستدلال(1).
وقد نبه على طريقته الدكتور أحمد محمود صبحي بهذا البيان:
(وإذا كان الغزالي قد حرم النظر في حقيقة الذات الإلهية على العامة ـ وذلك مالا ينكره أحد عليه ـفإنه أدرج في ضمن العوام: الأدباء والنحاة والمحدثين والفقهاء والمتكلمين، وجعل التأويل مقصوراً على الراسخين في العلم، وهم في نظره: الأولياء الغارقون في بحار المعرفة، المتجردون من دنيا الشهوات، وهي عبارة تعد قرينة لصحة دعوى من رأى من الباحثين للغزالي معتقداً خاصاً في (الحكمة الإشراقية) وفي نظرية الفيض، وفي "المطاع" مغايراً لمعتقده العام الذي أصبح به في نظر جمهور المسلمين (حجة الإسلام).
ويتساءل الدكتور صبحي: (هل الراسخون في العلم هو الصوفية دون الفقهاء والمفسرين والمتكلمين؟ وإذا كان الشد قد ثار منذ فشت (صناعة الكلام) ألا يفتح هذا الاستثناء المجال للصوفية أنّ يكون لهم وحدهم السبيل إلى... الشطحيات والدعاوى ونظريات التصوف الفلسفي: كالفيض والإشراق ؟ وأصولها الأجنبية واضحة، وشرورها على العقيدة الإسلاميّة ليست بأهون من شرور المتكلمين، وكأنه يشير إلى كتاب الحقيقة في نظر الغزالي للدكتور سليمان دنيا)(2).
ثم توالى من بعد الغزالي التأليف من العلماء المتصوفة في العقائد على المنهج الخاص بهم (3).
__________________________________
1ـ الغزالي: إلجام العوام عن علم الكلام: 66 ـ 67.
2 ـ الدكتور أحمد محمود صبحي، في علم الكلام 2: 604 ـ 606.
3 ـ الشعراني أبو المواهب عبد الوهاب بن احمد في: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر 1: 2 ـ 3، و24ـ 26.