ـ(76)ـ
كتبهم التي جاء فيها معظم عقائدهم: كتاب (شرح الأصول الخمسة) للقاضي عبد الجبار الهمداني (1).
كانت المعتزلة أتباع مدرسة الرأي في العقائد، وإذا عارضتهم آية أو رواية يؤولونها، وكانوا يقولون بحجية العقل قبل كل شيء حتى قبل النقل، بحجة أنّ الشرع أيضاً يثبت بالعقل، وبه يؤمن الإنسان بربه، ويصدق نبيه، ويلتزم بوعده ووعيده.
كان للمعتزلة دور كبير في الوقوف بوجه الهجوم الفكري العنيف المضاد للإسلام في العهد العباسي الأول، وقد مال إليهم الخلفاء من أمثال: المأمون والمعتصم، ولكن سرعان ما انقلب الأمر عليهم في عهد المتوكل.

المذهب الأشعري وموقفه تجاه المعتزلة وأهل الحديث:
المذهب الأشعري الذي عليه غالبية أهل السنة ـ عدا الحنابلة ـ مذهب معتدل بين المعتزلة وبين أهل الحديث. إنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري كان في بداية أمره معتزليا، ثم أعلن براءته منهم ورجوعه إلى مذهب الجمهور، وأدلى بذلك في تصريح لـه على منبر المسجد الجامع بالبصرة. فهو أراد أنّ ينتصر لأهل الحديث، لكن بأسلوب المعتزلة، أي: بالاحتجاج والحوار والاستدلال والبحث والنقاش على المنهج العقلي. ولذلك لا يعتبره المعتزلة تابعاً لمنهجهم، ولا يعده أهل الحديث منهم، بل يكفره الاتجاه الأخير لاشتغاله بالكلام.
فالشيخ الأشعري ومعاصره ـ أبو منصور الماتريدي ـ أراد أنّ يسلكا منهجاً معتدلاً بين الفريقين المتطرفين (المعتزلة وأهل الحديث)في المسائل الخلافية، فسكت الأشعري في كثير من مواقف النزال، أو قال بالعجز والقصور، وكثيراً ما يردد كلمة (بلا كيف) في صفات الباري، ومعناه: العجز عن بيان كيفية صفاته، حتى سمى العلماء منهجه بـ (البلكفة)(2).
__________________________________
1 ـ لم يكن في القرون الأخيرة أي أثر موجود من كتب المعتزلة إلاّ في خزائن المخطوطات باليمن.
2 ـ الأستاذ العلامة جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل 1: 1، 2، 4.