ـ(74)ـ
كان بأدلةٍ عقليةٍ أيضاً، والمتأمل في كتابه هذا يشهد بأن رأي الإمام الغزالي هو: "أنّ العقل الذي يبني هو العقل الذي يهدم".
فالإمام الغزالي يثبت أنّ العقل الإنساني في علم الإلهيات والأخلاق لا ينتج إلاّ ظنيات لا تصل إلى حد اليقين، هذا مع العلم بان الإمام الغزالي حصل لـه في أخريات أيامه انزعاج من الطريقة الأشعرية التي كان يتبعها، وانخرط في سلك التصوف، فهو لا يمثل المنهج النقلي، بل المذهب الذوقي (الصوفي).
وقد رد عليه الفيلسوف الإسلامي ابن رشد الأندلسي في كتابه: (تهافت التهافت).
وابن رشد هو الذي حاول أنّ يثبت أنّ العقل الصريح والنقل الصحيح ليس بينهما أي تعارض، وذلك في كتابه (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).
والعجيب من ابن تيمية أنه يلتقي مع ابن رشد في هذا الموقف في كتابه (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول).
لقد أشرنا فيما مضى إلى تيار فكري في الإسلام يسمى بـ(أهل الحديث) أو (السلفيين)، وفي عصرنا هذا يمثلهم (الوهابية) في عالم التسنن وهم أتباع محمّد بن عبد الوهاب النجدي التميمي، ويمثلهم أيضاً الأخبارية في أوساط الشيعة.
هؤلاء يعتدون بظواهر النصوص الشرعية من الآيات والروايات، ويتجنبون الرأي والقياس، إلاّ في حالة الضرورة، ويسمون منهجهم اتباعاً، وما خالفه ابتداعاً، ويسمون مخالفيهم بـ (أهل البدع) أو
(أهل الأهواء)(1).
أما البلاد المنتشر فيها هذا المذهب ـ مذهب محمّد بن عبد الوهاب ـ فهي بلاد نجد، ويسود بين أهلها الجفاء والغلو في هذا المذهب، وفي بلاد الهند طوائف سلفية داعية إلى هذا المذهب، وفي العراق والشام ومصر جماعات قليلة منهم يغلب عليهم الاعتدال(2).
__________________________________
1 ـ علي حسين الجابري، الفكر السلفي عند الاثنا عشرية: 154، 167، 240، 424، 439، والسيوطي صون المنطق والكلام عن علمي المنطق والكلام: 252، الشوكاني إرشاد الفحول: 202، علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام: 194 ـ 195، برترند رسل، تاريخ الفلسفة العربية 1: 218.
2 ـ القاسمي، تاريخ الجهمية والمعتزلة: 65 ـ 70.