ـ(73)ـ
إنّ هؤلاء يقولون بأن استيعاب علم المنطق وحده لا يكفي للصون عن الخطأ (1).
فإن كثيراً من مفكّري الإسلام قد برعوا في المنطق: كالكندي، والفارابي، وابن سينا، والإمام الغزالي، وابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد مع اختلافهم في أفكارهم وآرائهم اختلافاً جوهرياً، فلا يكون المنطق ميزاناً للحق والباطل.
ولكن هذا المنهج شهد تحولاً واعتدالا في العصور المتأخرة على يد أمثال: ابن تيمية الذي وقف موقفاً مضطرباً حيال علم الكلام، فهو لا يحرمه تحريماً باتاً، بل يجوزه إذا دعت إليه الضرورة، واستند إلى الأدلة العقلية والشرعية، وصار سبباً لوضع حد لشبه الملاحدة والزنادقة(2).
وقد ذهب ابن تيمية أبعد من هذا حين قال بعدم التخالف بين العقل الصريح والنقل الصحيح في كتابه: (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) موافقاً في ذلك ابن رشد في كتابه: (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال). ولكن لابن تيمية مواقف وآراء يوافق فيها جمهور الحنابلة والسلفية.
فاتباع هذا الخط السلفي يقولون: (نجد ديكارت الفرنسي اخترع مقياساً للفصل بين الخطأ والصواب بدلاً من المنطق الأرسطاطاليسي، وكان يؤكد: أنّ الإنسان لو اتبع في تفكيره المقياس الذي اخترعه خطوة خطوة فإنه لا مناص سينتهي إلى الصواب، وستكون ثمرة السير مع المنهج الديكارتي اليقين.
ولكن انتهى الأمل في منهج ديكارت كما انتهى الأمل في منطق أرسطو بالنسبة إلى الإنسان المعاصر)(3).
وهذا ما دفع جمعاً من المفكرين المسلمين القدماء إلى رفض الطريقة العقلية كما حدث للإمام الغزالي حيث هدم في كتابه (تهافت الفلاسفة) آراء الفلاسفة، ولكن هذا الرد
__________________________________
1 ـ في الأعوام الأخيرة شاهدنا تطوّراً هامّاً في هذا المجال في أوساط السلفية (الحنابلة) فقد حكى لي استاذ في الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنورة أنه تغير رأي علمائهم حول تعليم المنطق، وأخيراً أباحوا تعليمه في جامعاتهم، وذلك أثر مناقشات جرت مع الأساتذة المصريين المدرسين بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنورة.
2 ـ ابن تيمية، مجموع الفتاوى 3: 306 ـ 307.
3 ـ الدكتور عبد الحليم محمود، التوحيد الخاص أو الإسلام والعقل: 5 ـ 20.