ـ(72)ـ
ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام)(1).
وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات بهذا المقدار، بل قالوا: ما سكت عنه الصحابة ـ مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم ـ إلاّ لعلمهم بما يتولد منه من الشر؛ ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ:"هلك المتنطعون، هلك المتنطّعون، هلك المتنطعون أي المتعمقون في البحث والاستقصاء" (2). وهؤلاء جوزوا التقليد في المسائل الاعتقادية، وحرموا النظر كما مرّ.
يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: (وبما أنّ العقيدة لا يمكن فيها التقليد ولا يجوز، خلافاً: لعبيد الله بن الحسن العنبري والحشوية التعليمية(3). وكذا الرازي في المحصل(4). ورأي جمهور العلماء على عدم جواز التقليد فيه. وأسنده الأستاذ أبو إسحاق في شرح الترتيب إلى إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف).
وقال إمام الحرمين في الشامل: (لم يقل بالتقليد في الأصول إلاّ الحنابلة، ولكن الإمام الشوكاني يعتبر التكليف بوجوب النظر في العقائد تكليفاً بما لا يطاق).
ويقول بعد سرده لأقوال الأئمة: (في الله العجب من هذه المقالة...! فإنها جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وسعهم، ولا يطيقونه، وقد كفى الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ولا قاربوها الإيمان الجملي...، بل حرم على كثير منهم النظر في ذلك، وجعله من الضلالة والجهالة...)(5).
وقد حرم هؤلاء علم المنطق أيضاً، ولم يعتبروه أداة للمعرفة، مع أنّ علم المنطق من أشهر المقاييس القديمة. وهو ما نظمه ودونه أرسطو تحت اسم (ارغنون).
__________________________________
1 ـ ابن قدامة، تحريم النظر في كتب أهل الكلام: 17، تصحيح جورج المقدسي.
2 ـ مسلم، الصحيح 4: 2050 كتاب العلم، الحديث 7 أحمد بن حنبل المسند 1: 376.
3 ـ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 4: 300.
4 ـ الشوكاني، إرشاد الفحول: 266.
5 ـ الجويني، الإرشاد إلى قواطع الأدلة: 25، والدكتور أحمد صبحي في علم الكلام 1: المقدمة، والغزالي في إلجام العوام عن علم الكلام: 66 ـ 67.