ـ(204)ـ
منصبهم، وكي لا تزعزع كراسيّ عروشهم رياح المعارضة والثورة ضدّهم. فهم راكبون أعناق الشعوب، راكعون أمام الأعداء وهم كما قيل: "أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةُ ".
وفي مثل هذه الحالة يرغبون في الجلوس مع العدو اللدود حول طاولة المفاوضات للسلام العادل !!
ومن الدليل على ضعف المشركين وقوّة المسلمين في الحُديبيّة قول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لرسول المشركين وهو بديل بن ورقاء الخزاعيّ: "إنّ قريشاً قد أنهكتهم الحرب وأخذت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدّةً ويخلّوا بيني وبين الناس ـ.. إلى أنّ قال ـ: فإن هم أبَوا فوالّذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي وليُفذ الله أمره"(1).
ثم إنّ مبايعته المسلمين على الحرب والتضحية بالنفس والمال كان استعداداً كاملاً للحرب.
ثم إنّ عروة بن مسعود ـ رسول المشركين الآخر لديه ـ حينما رجع إلى المشركين قال لهم: (فو الله ما تنخم رسول الله نخامة إلاّ وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً لـه ـ إلى أنّ قال ـ: أي قوم، لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصرَ وكِسرى والنجاشيَّ، والله إن رأيت ملكاً يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم أصحاب محمّدٍ محمّداً، وأنّه قد عَرَضَ عليكم خِطَّةَ رشدٍ فاقبلوها...)(2).
2 ـ إنّ اليهود ليسوا وحدهم الّذين يحاربون شعب فلسطين، بل وقف إلى جنبهم طواغيت العالم الّذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة وسط أرض الإسلام.
وهم الّذين يحاربون الإسلام والمسلمين من أول يوم، فكيف نغفل عنهم ونعتبر الحرب حرباً بين اليهود والعرب أو المسلمين، فندخل في الصلح معهم، لأنهم أقل من المشركين ؟
وهؤلاء الطواغيت واليهود الّذين استولوا على أرض فلسطين احتلالاً ليسوا
__________________________________
1 ـ المغازي 1: 65، وسيرة ابن هشام 1: 135.
2 ـ مسند أحمد 4: 329، وصحيح البخاري: 70، باب الوضوء.