ـ(203)ـ
بذلوا كلّ ما عندهم، وتحملوا المشاق، وجاؤوا من كلّ فج عميق حتى نالوا زيارة النبي، وقلوبهم ملئت بحبه، فقبلوا الباب والشباك حباً لـه رجاء التقرب إلى الله بحبه، ويرون هذا منتهى أملهم من الحياة. فإذا بعالم أو مسؤول سكت عن ذلك الشرك الكبير وعن هؤلاء الأبالسة الكبار يضربه بالسياط ويشتمه باللسان، ويكرر عليه: "هذا شرك، هذا كفر" ولم يعتقد هذا القائل إلاّ أنّه كان واجبه، أليس هذا إبعاد المسلمين المخلصين عن الدين، وعن ساحة القتال مع اليهود ومع سائر أعداء الدين ؟ ! فإنه إذا كان كافراً ومشركاً فلماذا يضحي بنفسه في المعركة في سبيل الإسلام ؟!
وأنا أقول بصراحة: لو أنّ العلماء ومن ورائهم، بل ومن فوقهم الحكام ما لم يخطئوا الطريق واستقروا على الصراط القويم لأمكن لهم تجهيز الملايين من الشبان المسلمين الغيارى على الإسلام فداء أنفسهم في حب النبي محمّد ضد الصهاينة وحلفائهم ومن يقف وراءهم. ولو تحقق هذا الحلم يوماً ما لنرى أنّ كلمة الله هي العليا، وأن الله يحقق وعده: [إنّ تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم](1).
ثالثاً: الاستشهاد للصلح مع اليهود بمثل ما صالح النبي أهل مكة والمشركين عجيب وقياس مع الفارق ! وفيه وجوه من الخلط والتمويه:
1 ـ إنّ النبي صالح أهل مكة من موقف القوة دون الضعف، كما قال تعالى: [وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أنّ أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً](2).
مع أنّ بعض المسؤولين العرب حينما يريدون أنّ يساوموا على الصلح مع العدو إنّمّا هم في منتهى الضعف ـ لا سيما بعد حرب الخليج ـ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والشيطان الأكبر الحامي لإسرائيل قد رست أقدامه على أرضهم بكل ماله من العدة والعدد، وله حق الحياة والبقاء على جملةٍ من المتصدّين لقيادة شعوبهم، فهم عبيد في قبضته، يحق لهم أنّ يركعوا ويسجدوا أمامه آناء الليل والنهار، وإنهم ليبذلون أموال المسلمين وثروات شعوبهم المساكين إلى الكفار مجاناً، لا لشيءٍ سوى الاحتفاظ على
__________________________________
1 ـ محمّد: 7.
2 ـ الفتح: 24.