ـ(194)ـ
والتحديات والتقريب، فوجدنا الرجل مهتماً جداً بتقديم المشروع الإسلامي المقنن المتناسب مع متطلبات الواقع الاجتماعي، ويروم أنّ يكون هذا المشروع شاملاً لنظرات الفقهاء من شتى المذاهب.
كما كانت لنا زيارة لمدينة "مؤتة"، حيث مثوى شهداء الواقعة الشهيرة التي اتخذت اسم هذا المكان. ومن الطبيعي أنّ يعيد هذا المكان التاريخي العظيم إلى أذهان أعضاء مجمع التقريب الزائر ذكريات صدر الإسلام، بما كان فيه من روح جهادية جعلت الجماعة المسلمة ترتفع إلى مستوى يسمو على الخلافات القبلية والقومية، ويتجاوز الذاتيات الصغيرة، وينطلق إلى رحاب واسعة..واسعة جداً.
زرنا قبر الصحابي الشهيد "عبدالله بن رواحة"، واستعدنا كلماته وهو يودع الناس متوجهاً إلى ساحة المعركة وعيناه تذرفان الدمع، فقال لـه الناس: ما يبكيك ؟ فقال: ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكن سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقرأ الآية، وهي: [وإن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضياً] فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورد ؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا سالمين.
مررنا على جدث هذا الصحابي ونحن نردد: "أرشدك الله من غاز وقد رشدا" فهو الذي ود أنّ تتلى على قبره هذه العبارة حين أنشد في الوداع:
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي أرشك الله من غاز وقد رشدا
أي رفعة هذه التي جعلت عبدالله بن رواحة يشجع المسلمين حين واجه مائة ألف من الروم ومائة ألف من العرب المتحالفين مع الروم، بينما المسلمون لا يزيدون على ثلاثة آلاف ؟.. جعله يشجعهم ويقول:
(يا قوم، والله، إنّ التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا كثرة، ما نقابلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنّمّا هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة).
وزرنا أيضاً في هذه البقعة قبر "زيد بن حارثة" القائد الشهيد الأول في معركة مؤتة، وقبر "جعفر بن أبي طالب" القائد الشهيد الثاني، وكل واحد من هذين الصحابيين