ـ(182)ـ
إلى تفهم مبنى الفقيه ومستنده الشرعي وحجته فيما يذهب إليه، وهو من شأنه أنّ يقرب وجهات النظر، ويقود إلى الاحترام المتبادل، وينفي التهم والظنون، ويزيف الأقاويل التي تلصق بهذا الطرف أو ذاك، وهذه خطوة أساسية لا يمكن تجاوزها إذا أردنا التقريب حقاً.
2 ـ إنه وضع أسساً سليمة للاحتجاج والمناقشة الموضوعية بما حرص عليه من الكشف عن الحجية للرأي الآخر، واستبعاد الأسلوب الجدلي الذي لا يهدف إلاّ إلى التغلب على الخصم، بغض النظر عن قوة الدليل الذي يستند إليه الرأي الآخر، وفي هذا ـ كما لا يخفى ـ خطوة أخرى مهمة جداً في أطروحة التقريب.
3 ـ إنه نقل الدراسة الفقهية من مرحلة الدراسة المبتسرة وإطار علم الخلاف إلى محل الدراسة الفقهية المقارنة وفق المنهج العلمي الحديث: في البحث، والاستقصاء والتحليل، والاستنتاج، والمناقشة. وهذا يعد بحد ذاته فتحاً جديداً في الدراسات الإسلاميّة المقارنة، وفيما يمكن أنّ نتوصل إليه من نتائج مثمرة على هذا الصعيد.
4 ـ إنه كشف عن أصالة الكثير من الآراء لمختلف المدارس الفقهية، وعن مدى قيمتها العلمية والعملية، وبخاصةٍ فيما يتصل بالفقه الجعفري الذي غيب طويلاً عن الساحة، والصقت به التهم والافتراءات، وعرض للتشكيك والشبهة دونما سند علمي أو استناد إلى المعتبر من كتب الإمامية الاثني عشرية. وبهذا يكون قد أسهم بدرجة كبيرة بتبديد سحب الشك والظن، وألفت النظر إلى أصالة الآراء العلمية الفقهية التي تتبناها هذه المدرسة الفقهية.
5 ـ إنه نبه إلى حقيقة مهمة جديرة بالالتفات إليها، وهي: أنّ الفقهاء المسلمين يتفقون أكثر مما يختلفون، وأنهم جميعاً ينشدون الحق، غايتها: أنّ بعضهم يجهد ويجد متمسكاً بالدليل، والآخر قد يخطئ الطريق اجتهاداً منه، وله أجره أيضاً. كما نبه إلى مسألة أخرى ذات أهمية بالغة لها مدخلية في التقريب، وهي: أنّ تبني فقيه من فقهاء الإمامية لرأي لا يعني أنّ ذلك هو رأي الإمامية (1)، ولا يوجب إلزامهم به؛ لأن الاجتهاد يخول الفقيه ذلك من جهة، ولا يلزم الآخرين به من جهة أخرى، بل قد يخالف ما عليه
__________________________________
1 ـ الأصول العامة: 596.