ـ(18)ـ
المصداق أو قلته بالنسبة إلى غير الممنوعين ؟ أو ليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية لكل والد ووالدة وأقرب، ممنوعين كانوا أم غيره؟!
وأما ما أثاروه حول الإيصاء للوالدين من كونه سبباً لظهور العداء فقد مر جوابه في صدر البحث، وهنا نزيد ما ذكره ذلك الإمام بقوله:
وجوز بعض السلف الوصيّة للوارث نفسه، بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة، كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً، ومثال ذلك: أن يطلق أبوه أمه وهو غني ولا عائل لها إلاّ ولدها، ويرى أن ما يصيبها من التركة لا يكفيها، ومثله: أن يكون بعض ولده أو أخوته ـ إن لم يكن لـه ولد ـ عاجزاً عن الكسب، فنحن نرى أن الحكيم الخبير اللطيف بعبادة، الذي وضع الشريعة والأحكام لمصلحة خلقه لا يحكم أن يساوي الغني والفقير، والقادر على الكسب من يعجزه عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنهم سواسية في الحاجة كما أنّهم سواء في القرابة فلا غرو أن يجعل أمر الوصيّة مقدماً على أمر الإرث...، ويجعل الوالدين والأقربين في آية أخرى أولى بالوصية لهم من غيرهم؛ لعلمه سبحانه وتعالى بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً، فقد قال في آيات الإرث في سورة النساء: [من بعد وصية يوصي بها أو دين] فأطلق أمر الوصيّة، وقال في آية الوصيّة هنا ما هو تفصيل لتلك.
لقد بان الحق مما ذكرنا، وأن الذكر الحكيم أعطى للإنسان حق الإيصاء للوالدين لمصالح هو أعرف بها على حد لا يتجاوز الثلث، وليكون إيصاؤه أيضاً على حد المعروف.
ويؤيده: إطلاق قوله سبحانه في ذيل آية المواريث، قال سبحانه: [وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً](1). ويريد من الذيل: الإحسان في الحياة والوصية عند الموت فإنه جائز(2)، وإطلاقه يعم الوارث وغيره. والله سبحانه هو العالم بمصالح العباد.
__________________________________
1 ـ الأحزاب: 6.
2 ـ الجامع لأحكام القرآن 14: 126