ـ(17)ـ
موضوع للنسخ ولا للتخصيص.
وقد تفطن القرطبي لما ذكره البعض، وقال: (ولا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورث بالوصية، وبالميراث إن لم يوص، أو ما بقي بعد الوصيّة، لكن منع ذلك هذا الحديث والإجماع)(1).
أقول: أما الإجماع فغير متحقق، وكيف يكون كذلك مع أن أئمة أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيوافيك ـ اتفقوا على جوازه، وكذلك فقهاء الإمامية طوال القرون وهم ثلث المسلمين، وبعض السلف كما يحدث عنه صاحب المنار ؟ وأما الحديث فسيوافيك ضعفه، وأنه على فرض الصحة سنداً قابل للتأويل والحمل على ما زاد الإيصاء والثلث.
الثاني: أن ادعاء النسخ أو التخصيص في الآية بآية المواريث متوقف على تأخر الثانية عن الأولى، وأنى للقائل بهما إثباته ؟ بل لسان آية الوصيّة بما فيها من التأكيد لأجل الإتيان بلفظ [كتب]، وتوصيفه بكونه حقاً على المؤمنين يأبى عن كونه حكماً مؤقتاً لا يدوم إلاّ شهراً أو شهور.
قال الإمام محمد عبده: (إنه لا دليل على أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصيّة هنا، فإن السياق ينافي النسخ، فإن الله تعالى إذا شرع للناس حكماً وعلم أنه مؤقت وأنه سينسخه بعد زمن قريب فإنه لا يؤكده ولا يؤثّقه بمثل ما أكد به أمر الوصيّة هنا من كونه حقا على المتقين، ومن وعيد لمن بدله).
ثم قال: (وبإمكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا: إن الوصيّة في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث، بأن يخص القريب هنا بالممنوع من الإرث ولو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران فله أن يوصي لهما بما يؤلف به قلوبهما)(2).
ولا يخفى ما في صدر كلامه من الإتقان لولا ما تنازل في آخره، وحاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصيّة لمن لا يرثان من الوالدين لسبب: كالقتل والكفر والسرقة، إذ لقائل أن يسأل الإمام: أنه إذا كان المراد من الوالدين والأقربين في آية الوصيّة هم الممنوعين من الوراثة فما معنى هذا التأكيد والعناية البارزة في الآية مع ندرة
__________________________________
1 ـ الجامع لأحكام القرآن 1: 263.
2 ـ المنار 2: 136.