ـ(179)ـ
ولكن من هو الجدير بالتصدي إلى مثل هذا العمل الخطير ـ أي: إجراء البحث الفقهي والأصولي المقارن ـ من وجهة نظر السيد الحكيم ؟ وما هي المواصفات التي يرى وجوب توفرها والالتزام بها ؟ وهنا عندما نستطلع رأي السيد بهذا الخصوص فلأن لذلك ـ بكلّ تأكيدٍ ـ مدخليةً فيما نحن بصدده. وهي الأصول التي يلزم الباحث تمثلها في مجال المقارنة:
يرى السيد الحكيم: أنّ أصول المقارنة(1) التي يجب أنّ يلتزم بها الباحث ويتمثلها ليصح لـه بعد ذلك اقتحام هذه المجالات من البحث الفقهي والأصولي المقارن يمكن أنّ تتحدد بما يأتي:
1 ـ الموضوعية: ويريد بها: أنّ يتجرد الباحث من الرواسب والقناعات السابقة، ثم يلزم نفسه بما يقود إليه البحث العلمي من نتائج، سواء وافقت أم عارضت الرأي الذي هو عليه، وهذه الخصوصية ـ عادةً ـ لا يتوفر عليها من لا يستطيع التحكم بعواطفه، ولا يمتلك الجرأة والشجاعة لتقبل الرأي الآخر واحترامه إذا كان أقوى دليلاً وأمتن حجةً.
2 ـ معرفة أسباب اختلاف الفقهاء: ولا ريب أنّ لذلك أهمية خاصة تظهر ثمرتها في تفهم وجهة النظر الأخرى، ومع أنّ هناك علماء حددوا هذه الأسباب وكتبوا فيها بحوثاً إلاّ أنّ السيد الحكيم يرى: أنّ هؤلاء لم يستوفوا مناشئ الخلاف ولم يتعرضوا إلى جذوره الأساسية، ثم هو يعرض من جانبه إلى ذلك بشيءٍ من التركيز والإيجاز.
3 ـ امتلاك الخبرة بأصول الاحتجاج، ومعرفة مفاهيم الحجج والأدلة، ومواقع تقديم بعضها على بعض، ليصح الخوض في مجالات الموازنة بين الآراء، وتقديم أقربها إلى الحجية وأقواها دليلاً، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في المقدمة، كما نبه إلى ذلك السيد الحكيم أيضاً.
ولقد وجدت أنّ السيد الحكيم قد تمثل ذلك حقاً، وأحاط به من غير ادعاءٍ، فكان جديراً وأهلاً لأن يتصدى لأخطر بحث يتصل بالركائز والمباني والحجج التي يبتنى عليها سائر الاختلافات في المسائل الفرعية، وقد التزم في بحثه هذا بمنهج علمي صارم، وكان
__________________________________
1 ـ الأصول العامة: 16 ـ 19.