ـ(16)ـ
ومرجع الوجه الثاني: إلى التخصيص في كلا الموردين.
وقال الجصاص في تفسير الآية: نسختها آية الفرائض.
1 ـ قال ابن جريج عن مجاهد: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين، فهي منسوخة(1).
2 ـ وقالت طائفة أخرى: قد كانت الوصيّة واجبة للوالدين والأقربين فنسخت عمن يرث، وجعلت للوالدين والأقربين الذين لا يرثون (2).
فعلى الوجه الأول: فآية الوصيّة منسوخة بالمعنى الحقيقي.
وعلى الثاني: فهي مخصصة، حيث أخرج الوارث منهما وأبقي غير الوارث، لكن لازم كون الوصيّة واجبةً وبقاء الأقربين تحت العموم وجوب الوصيّة لغير الوارث منهما، وهو كما ترى.
ونرى نظير هذه الكلمات في كتب التفسير والفقه لأهل السنة، ونعلق عليها بوجهين:
الأول: أن السابر في كتب القوم يقف على أن الذي حملهم على ادعاء النسخ والتخصيص في الآية هو: رواية أبي أمامة، أو عمرو بن خارجة، وأنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في خطبته في حجة الوداع: (ألا إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)(3). ولولا هذه الرواية لما خطر في بال أحد بأن آية المواريث ناسخة لآية الوصيّة، إذ لا تنافي بينهما قيد شعرة حتى تكون إحداهما ناسخة أو مخصصة، إذ لا منافاة في أن يجعل سبحانه على الإنسان فرضا أو ندبا أن يوصي للوالدين والأقربين بشيءٍ لا يتجاوز الثلث، وفي الوقت نفسه يورث الوالدين والأقربين على النظام المعروف في الفقه.
والذي يوضح ذلك هو: أن الميراث في طول الوصيّة، ولا يصح للمتأخر أن يطارد المتقدم، وأن الوراث يرثون بعد إخراج الدين والوصيّة، قال سبحانه: [من بعد وصية يوصي بها أو دين] (4).وفي مورد آخر: [من بعد وصية يوصى بها أو دين](5) فلا
__________________________________
1 ـ رواه الدارمي في سننه 2 419 مرسلاً عن قتادة.
2 ـ أحكام القرآن للجصاص 1: 164.
3 ـ سيوافيك نصه وسنده.
4 ـ النساء: 11.
5 ـ النساء: 12