ـ(164)ـ
وعهود الذلة والخوف، وتسلط الأعداء، فيعودوا كما تركهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أمةً واحدةً عزيزةً كريمةً تشعر بعزتها وكرامتها، ولا غرض لها إلاّ إعلاء كلمة الله ونشر دينه، والدفاع عن الحق حيثما وجدت لذلك سبيلاً). ثم يقول ـ مؤكداً على وجوب الاتحاد وائتلاف القلوب، والغض عن كلّ ما يثير الأحقاد وينكأ الجراح؛ لأن حرب الفرقة قد ألحت على الأمة منذ قرون فقطعت ذات بينها، وأفسدت كثيراً من خطط الإصلاح على واضعيها ـ: (فليتدبر المسلمون موقفهم، ولا سيما في هذا الوقت العصيب الذي فغرت فيه المطامع أفواهها لابتلاعهم، والذي أصبحت القوة فيه والتكتل هي لغة التخاطب السائدة، وأسلوب التفاهم المفيد، ولينسوا ما بينهم من الخلافات التي أوهنتهم وثبطت من عزائمهم، وليقفوا صفاً واحداً لإنقاذ أنفسهم ودينهم، بل لإنقاذ العالم من المطامع الفاسدة والمبادئ الخطرة، فإنهم أهل فكرة، ووراث رسالةٍ، وإن الله سائلهم عما أورثهم)(1).
وبعد، فإن الوحدة الإسلاميّة بالحكم الفقهي (2) واجبة شرعاً ، فليست عملاً ترغيبياً يُدعى إليه، وإنّما هي أمر واجب يلزم كلّ مسلمٍ، وسيُسألُ عنه يوم الدين، ولهذا كان كلّ ما يؤدي إلى الوحدة فهو واجب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، والتقارب بين المذاهب يجمع الأمة على الأصول الكلية، ولا يجعل للاختلافات الجزئية أثراً في الوحدة، فهو بهذا يكون أمراً مطلوباً شرعاً؛ لأنه وسيلة إلى غايةٍ مفروضةٍ، والوسيلة تأخذ حكم الغاية ما دامت تنتهي إليها.
وأخيراً: إنّ مسؤوليّة التقارب تقع على عاتق الفقهاء، فعامّة الناس تبع لهم، يسيرون وفق ما يقولون، ويأخذون بما يفتون، فإذا أدرك هؤلاء الفقهاء مسؤوليّتهم وقاموا بها في إحسان سارت الأمة بخطى حثيثةٍ نحو أخوةٍ ووحدةٍ إسلاميةٍ تكفل القوة في كلّ المجالات، قوة ترهب أعداء الله وأعداء الحياة، وتدرأ عن الأمة كلّ الأخطار والأضرار، [ويومئذ يفرح المؤمنون_ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم] (3).
__________________________________
1 ـ رسالة الإسلام، المجلد الثالث: 22 ـ 52.
2 ـ أعمال ندوة الفقه الإسلاميّ المنعقدة بجامعة السلطان قابوس في شعبان (1408هـ): 864 طبع عمان
3 ـ الروم: 4 - 5.