ـ(162)ـ
ترتب على هذا أنّ هان على الشباب تاريخهم، وصغر في أعينهم عطاء حضارتهم وتراثهم، بل كاد أنّ يُصبح الدين غير عزيزٍ عليهم، وهذا أخطر ما مُنيت به الأمة بسبب التعصب المذهبي وما جره عليها من التفرق والتنازع.
وقد كان غزو العالم الإسلامي وفرض النظم التعليمية الغربية ـ فضلاً عن الأعراف والتقاليد والقوانين التي تنكرها العقيدة الإسلاميّة ـ من العوامل التي ساعدت على غربة الشباب عن دينهم وتاريخهم وظهور الثنائية الثقافية؛ بسبب ازدواجية التعليم، وتقسيمه إلى ديني ومدني.
وكان رد الفعل لهذه الغربة ولمحاولة الغرب طمس معالم الأصالة الإسلاميّة في شتى المجالات هو: العمل للعودة إلى هذه الأصالة، فظهر عدد من الدعاة والمصلحين الذين حذروا الأمة من مغبة تمزقها الفكري، وخصامها غير العقلي لتراثها وتاريخها، وبينوا لها أنّ سبيل نهضتها يكمن في الاعتصام بدينها اعتصاماً يحقق معنى الأخوة الإسلاميّة تحقيقاً كاملاً، وأثمرت جهود هؤلاء الدعاة، فعرفت الأمة ما يسمى بـ"الصحوة الإسلاميّة"، والمطالبة بأن يكون التشريع الإسلامي هو وحده القانون الذي نتحاكم إليه في كلّ شيءٍ، ولكن هذه الصحوة تتعرض الآن لخطرٍ لا يقل ضرراً عن خطر التعصب المذهبي، ويتمثل هذا الخطر في الجماعات الإسلاميّة ، فكل جماعة تعمل لصالحها، والصراعات بينها عنيفة، وبخاصة في بلاد الغرب، مما يشوه صورة الإسلام أمام غير المؤمنين به.
والأمة إلى هذا تعاني من مشكلات جمةٍ، فهي تعاني من حرب ضروس يشنها عليها الأعداء بأسلحة متنوعة، من أحدثها: هذا الغزو الفكري الذي تحمله إلينا الأقمار الصناعية، وهذا التخطيط المتآمر الذي يسعى لوأد كلّ جهد إسلامي يستعلي على مباذل الحضارة المعاصرة، ويثبت كيانه ووجوده أمام الغطرسة الصليبية الحاقدة، كما يجري الآن بالنسبة للمسلمين في مختلف دول أوروباً وآسيا وأمريكا، وبخاصةٍ في يوغسلافيا، فهناك حرب إبادة لشعب مسلم دون أنّ تتحرك المنظمات الدولية تحركاً إيجابياً لمنع هذه الحرب، ودون أنّ تعمل الدول التي ترفع شعار الحرية والحقوق الإنسانية على وقف المذابح