ـ(161)ـ
إنّ التقارب بين المذاهب هو في جوهره: محاولة لكسر شوكة التعصب، وجمع كلمة الأمة على أصول عقيدتها والمبادئ الأساسية لدينها.
إنّ الوحدة الفكرية مقدمة ضرورية للوحدة السياسية، والأمة الإسلاميّة يوحد بينها ـ فكرياً ـ القيم الخالدة لدينها، والأصول الأساسية لعقيدتها، ولكن التعصب المذهبي جعل بين أبناء هذه الأمة وأصول عقيدتها وقيم دينها ستاراً كثيفاً من الجهل والنسيان، فلم يفرقوا بين ما يجب الإيمان به وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أنّ تمس القيم والأصول الكلية للعقيدة (1)، ولذا تفرقوا وتنازعوا، وأصبح بأسهم بينهم شديداً، قديماً وحديثاً، ولن تتحقق الوحدة الفكرية دون تقارب بين المذاهب يُلغي التعصب الكريه من جهةٍ، ويقود الأمة إلى الوحدة الجامعة من جهةٍ أخرى.
وإذا كانت الأصوات ترتفع الآن تطالب بتطبيق أحكام الشريعة كلها والتحرر من القوانين الوضعية فإن التعصب المذهبي ساعد على دخول هذه القوانين إلى الديار الإسلاميّة ؛ لأن الفقهاء اختلفوا، وحاول أتباع كلّ مذهبٍ أنّ يكون لفقه مذهبه الكلمة الأولى في تطبيق هذه الأحكام، مما حمل الحكام على أنّ يستوردوا القوانين الأجنبية ما دام الفقهاء لم يتفقوا ويتعاونوا في تقديم قانون إسلامي صالح للتطبيق وفق ظروف العصر ومقتضيات الأحوال، وهذا يعني: أنّ التقارب بين المذاهب إنّ كان سبيلاً للوحدة بين أبناء الأمة فهو أيضاً سبيل للتطبيق الكامل لأحكام الشريعة.
ولأن الشباب في كلّ أمة هم رجال مستقبلها وطليعة نهضتها، يجب أنّ يوجهوا الوجهة السديدة التي تنير أمامهم الطريق نحو غدٍ مشرقٍ بالخير والعزة والحضارة والتقدم، وهذا التوجيه في أمتنا ملاكه: الإسلام عقيدة وشريعة، غير أننا إذا أمعنا النظر في واقعنا المعاصر وحاولنا أنّ نعرف المسار الفكري لشباب الأمة فإننا نلاحظ: أنّ هذا الشباب بوجه عام لم يجد من يقدم لـه التراث الفقهي نقياً من شوائب الآراء الفاسدة والمواقف الجائرة، ومن هنا ولى وجهه نحو الثقافات الأجنبية دون تمييز بين غثها وسمينها، ونظر إلى التراث الإسلامي كله نظرة امتعاض وامتهان فلم يقبل عليه أو يهتم به، وقد
__________________________________
1 ـ رسالة الإسلام، المجلد الأول: 93.