ـ(159)ـ
وما دامت الأمة تجمع بينها أصول واحدة ـ وهي: أصول الإسلام التي لا يكون المسلم مسلماً إلاّ بها ـ وما دامت بين المذاهب الفقهية المعتبرة أواصر متينة وأسس مشتركة فإن عليها أنّ تنطلق في حاضرها، وتواجه مستقبلها على أساسٍ من الاعتصام بتلك الأصول، ودعم هذه الأسس والروابط، فهذا سبيل وحدتها ونهضتها.
أما ما بين المذاهب من اختلافات في الفروع فينبغي أنّ نضعها في موضعها الصحيح، وأن ندرسها دراسة علمية، ويكون موقفنا منها محكوماً بروح التسامح والمناقشة الهادئة، واحترام كلّ الآراء وتقديرها، فهي كلها ترجع إلى أصل واحد، وإنّما اختلفت الآراء لاختلاف وسائل الكشف عن الأحكام واستنباطها، وهذا الاختلاف يُعدُّ من مظاهر يسر الشريعة ومرونتها، ولكن التعصب أحاله إلى سلاح فرقة وعداوة.
إن كلّ الذين كتبوا في موضوع التقارب كانوا جميعاً سنة وشيعة، ينطلقون من مبدأ: "أنّ نلتقي حول أصول عقيدتنا الإسلاميّة وما اتفقت عليه مذاهبنا الفقهية"، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، وأن يكون وقوفنا على الآراء والأحكام من مصادرها الصحيحة، وأن يكون تفسيرنا لها تفسيراً موضوعياً، وأن ننظر إلى التراث الفقهي نظرة شاملة، لا ننحاز لمذاهب دون غيره، فكل هذا التراث ملك للأمة، وعلينا أنّ نتدارسه وننتفع بكل خير فيه، وأن ننسى الماضي بسلبياته وأحكامه المتحاملة، ونبدأ عصراً جديداً يكفل للأمة الإسلاميّة جوهر وحدتها وقوة تماسكها، حتى تظل بنياناً مرصوصاً، أو جسداً واحداً يشد بعضه بعضاً، وبهذا وحده تبقى لها صفة الخيرية التي اختصها الله بها، وجعلها من ثم في منزلة الشهادة على الناس، والقيادة والريادة في كلّ المجالات النافعة لها ولغيرها من الأمم.

التقارب بين المذاهب والوحدة الإسلاميّة
تتمتع الأمة الإسلاميّة بجملة من الخصائص التي لا تتمتع بها أمة أخرى، وهي خصائص واضحة لمن يفقه عقيدة هذه الأمة ويقرأ تاريخها ويدرس حاضرها، فهي تحتل موقعاً جغرافياً متميزاً، من حيث المناخ، وخصوبة التربة، وتنوع البيئة، وهو موقع يحتل وسط العالم، ويربط بين شرقه وغربه، فله بذلك أهمية دولية خاصة.