ـ(158)ـ
الهنات والسيئات وتضخم منها، وتعرضها وكأنها ليست أحداثاً تاريخية مؤسفة لا يجب على الأمة أنّ تعرفها في حاضرها، وإنّما كحلقةٍ في مسلسلٍ نحياه في واقعنا، وبعض هذه المؤلفات يقحم الصهيونية في المعركة، وبعضها الآخر يرمي سواه بالكفر والزندقة.
إنّ على العلماء والمفكرين أنّ يكفوا عن اجترار تلك الروايات والآراء التي لا تعبر إلاّ عن تعصب كريه، وفقهٍ سقيمٍ، وممالأةٍ لسلطةٍ جائرةٍ أو نزعةٍ عرقيةٍ جاهليةٍ، والتي لا نجني من وراء إحيائها وترديدها إلاّ المزيد من التفرق والتنازع، والأمة في عصر أحوج ما تكون فيه لجمع شملها، والوقوف صفاً واحداً أمام الذين يتربصون بها ويصطادون في الماء العكر، ويزعمون أنهم يقدمون لنا حقائق تاريخنا مدعمة بالأدلة العلمية، وهم في الواقع ثعالب ما كرة.. يتحسسون في خبث طريقهم من أجل التهام الفريسة والقضاء عليها.
وأما ما وقع من خلاف بين المسلمين(1). في القرن الأوّل وما نجم عنه من ظهور الفرق فيجب أنّ يدرس في إطار البحث العلمّي والعبرة التاريخية، ولا يسمح بامتداده إلى حاضر المسلمين ومستقبلهم، بل يجمد من الناحية العملية تجميداً تاماً ويترك حسابه إلى الله وفق الآية الكريمة [تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون](2).
وخلاصة القول: أنّ الأمة تجمع بينها أصول واحدة، وأن المذاهب الفقهية المعتبرة تجمع بينها روابط قوية ودعائم مشتركة، وهي كثيرة جداً، وأن أئمة المذاهب في حياتهم كانوا صورة طيبة للتعاون العلمي والإخاء الفكري، والتقدير المتبادل لكل ما صدر عنهم من آراء، وما سجل التاريخ عن واحد منهم أنّه تعصب لرأي ذهب إليه، أو يعيب رأياً رآه غيره، بل كان كلّ منهم يترك رأيه، ولا يخالف غيره حتى ولو كان قد سبقه إلى ربه، احتراماً لـه . فقد روي: أنّ الإمام الشافعي صلى الصبح قريباً من مقبرة أبي حنيفة فلم يقنت تأدياً معه (3).
__________________________________
1 ـ دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للشيخ محمّد الغزالي: 147 طبع القاهرة.
2 ـ البقرة: 141.
3 ـ انظر حجة الله البالغة، دستور الوحدة الثقافية: 235.