ـ(154)ـ
به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً](1) إذا كان الأمر كذلك فإن كثيراً من مظاهر التعصب والازورار بين أتباع المذاهب مردها إلى أنّ أتباع كلّ مذهب جهلوا ما لدى غيرهم بوجه عام، وحصروا أنفسهم في دائرة المؤلفات المذهبية الخاصة، يدرسونها ويرونها وحدها الزاد الفقهي الذي يغني.
والنتيجة الحتمية لهذا الانكماش الفقهي هو القناعة بأن ما لدى المذهب من آراء هي: الدين الذي لا يجوز لأحد أنّ يفرط فيه أو يخالفه، ويترتب على هذا تبادل التهم بين أتباع المذاهب، وزعم كلّ طائفةٍ أنها على الحق دون سواها.
وقد تنبه لهذا الخطر قديماً بعض الفقهاء وحذروا منه، منهم: الإمام الشاطبي (ت: 790هـ) في كتابه الأصولي الرائع "الموافقات" قال: (إنّ تعويد الطالب على أنّ لا يطلع إلاّ على مذهب واحد ربما يكسبه ذلك نفوراً وإنكاراً لكل مذهب غير مذهبه ما دام لم يطلع على أدلته، فيورثه ذلك حزازة في الاعتقاد في فضل أئمة أجمع الناس على فضلهم وتقدمهم في الدين، وخبرتهم بمقاصد الشارع وفهم أغراضه)(2).
وقال الإمام أبو شامة (ت: 665 هـ): (ينبغي لمن اشتغل بالفقه أنّ لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كلّ مسألةٍ ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا أتقن معظم العلوم المتقدمة، وليجتنب التعصب، والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة فإنها مضيعة للزمان ولصفوه مكدرة)(3).
إنّ التقارب لابد أنّ يقوم على فهمٍ وفقه، ولا تكفي لبلوغه العواطف الجياشة والمشاعر الطيبة، ولذا كانت الدراسة العلمية ومعرفة الآراء من مصادرها الأصيلة هي سبيل الفهم الصحيح الذي يرد كثيراً من الأخطاء، ويسدد الخطوات على طريق التقريب الصحيح.
رابعاً: ويساعد على إزالة جفوة الجهل بين أتباع المذاهب والانكباب على مؤلفات المذهب دون غيرها والوقوف على الآراء والاجتهادات في التراث الفقهي كله مراعاة ما يلي:
__________________________________
1 ـ الإسراء: 36.
2 ـ الموافقات 2: 273، طبع منير الدمشقي، القاهرة، نقلاً عن كتاب "ما لا يجوز الخلاف فيه بين المسلمين": 66.
3ـ حجة الله البالغة 1: 327.