ـ(151)ـ
إدماج بعضها في بعضٍ فإن الغاية منه تنحصر في أنّ يسود بين المذاهب المعتبرة تعاون وثيق، وتفاهم عميق، وتقارب يزيل الشك، ويؤكد صدق النوايا، ويعبر عن الاخوة الإسلاميّة ، ويعمل على وحدة الكلمة ونبذ الفرقة، وأن لا يكون الخلاف في الرأي بين الفقهاء سبباً للعداء أو البغضاء.
وتحقيق هذا المفهوم للتقارب وجعله واقعاً عملياً بين المذاهب يمكن ـ فيما أرى ـ أنّ يكون بما يلي:
أوّلاً: أنّ أصول الإسلام التي لا اختلاف عليها بين المسلمين جميعاً والتي لا يكون المسلم مسلماً إلاّ إذا أيقن بها هي: الإيمان بالله رباً، وبمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ نبياً ورسولاً، وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قبلة وبيتاً محجوجاً، وبأركان الإسلام الخمسة المعروفة، وبكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبأنه ليس بعد الإسلام دين، ولا بعد رسوله نبي ولا رسول، وبان كلّ ما جاء به محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ حق (1).
إنّ هذه الأصول المجمع عليها بين الأمة تمثل جوهر الإسلام أو أساسياته، وكل من يؤمن بها فهو مسلم، قد انعقدت بينه وبين سائر المسلمين في كلّ مكان أخوة في الله ورسوله مهما يكن المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه، وهذه الأخوة يحرم معها أنّ يخذل مسلماً أو يعاديه أو يؤذيه أو ينحاز إلى من يعاديه أو من يؤذيه(2).
وإذا كانت هذه الأصول هي الحد الفاصل بين المسلمين وغيرهم أو هي فيصل التفرقة في الإيمان والكفر فإن على أتباع المذاهب أنّ ينتبهوا إلى أنّ كلّ من حافظ على تلك الأصول وأخذ نفسه بها فهو مسلم تجب مودته ومحبته ونصرته، وتحرم معاداته أو الإساءة إليه.
ومما لا جدال فيه: أنّ أتباع المذاهب الفقهية المعتبرة الآن يطبقون على الإيمان بهذه الأصول، فلا اختلاف بينهم فيها، فهم من ثم مسلمون جميعاً مهما يكن بينهم من اختلاف في غير تلك الأصول.
إنّ التأكيد على أنّه لا اختلاف بين المسلمين في الأصول هو المنطلق لتحقيق مفهوم
__________________________________
1 ـ رسالة الإسلام، م 5: 150.
2ـ انظر معالم التقريب بين المذاهب الإسلاميّة : 12.