ـ(150)ـ
حالةً من التنافر والتباعد، وإلاّ لما كان لإطلاق لفظ التقارب معنى.
فالتقارب إذن وسيلة لجمع الشمل ورأب الصدع، وتبادل حسن الظن والتقدير من أجل صيانة وحدة الأمة(1)، ومن ثم لا يراد به إلغاء أصل الخلاف بين المذاهب، فما كان لأحدٍ أنّ يحجر على عقولٍ دعاها الله إلى النظر في ملكوته، أو يقصر الناس على إحدى طرائق الفهم أو بعض وسائل النظر ولا يعني هذا تحبيذاً للاختلاف أو دعوةً إليه، وإنّما كل ما يشير إليه: أنّ الاختلاف في مجال الدراسات الفقهية لا يعد قدحاً، وأن الفقهاء في اجتهادهم لم يخرجوا على أصول دينهم، فقد نهى الكتاب العزيز عن التفرق والاختلاف في قول الله تعالى: [ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات] (2).
فإذا عرفنا أنّ هذا النهي منصب على التفرق في أصل الدين والتوحيد وما يطلب فيه القطع دون الظن أدركنا أنّ الاختلافات الفقهية ـ وهي تدور في فلك الأحكام الظنية، ولا علاقة لها بأصل الدين والتوحيد ـ لا تنسحب عليها دلالة ذلك النهي.
إنه لا ضرر على المسلمين في أنّ يختلفوا، فالاختلاف سنة من سنن الاجتماع، ولكن الضرر كلّ الضرر في أنّ يفضي بهم الخلاف إلى القطيعة (3) والعداوة، والخروج على مقتضى الأخوة التي أثبتها الله في كتابه العزيز، لا على أنها شيءٍ يؤمر به المؤمنون، ولكن على أنها حقيقة واقعة رضي الناس أم أبوا [إنّمّا المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون](4).
كذلك لا يعني التقارب إلغاء المذاهب، أو دمج بعضها في بعض، أو تغليب مذهب على آخر، فهذا ما لا سبيل إليه، ولا جدوى منه؛ لأن بقاء المذاهب في إطار المفهوم الإسلامي للاختلاف في الرأي من عوامل ازدهار الحياة الفقهية ونموها، وتقديم الكثير من وجهات النظر التي ترى فيه الأمة سعة ويسراً في الأخذ والتطبيق بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.
وما دام التقريب لا يُراد به إلغاء الخلاف بين المذاهب أو إلغاء المذاهب ذاتها أو
__________________________________
1ـ معالم التقريب بين المذاهب الإسلامية للأستاذ محمّد عبد الله محمّد: 7، طبع دار الهلال بالقاهرة.
2 ـ آل عمران: 105.
3 ـ انظر رسالة الإسلام، م 5: 151.
4 ـ الحجرات: 10.