ـ(144)ـ
الحديثة الآن لتطبيق أحكام الفقه الإسلامي. وتقنين هذه الأحكام يعني: جمعها في مدونة واحدة، وهذا يتطلب صياغتها في صورة قواعد عامة ومجردة بعد إتمام دراسة المعاملات المالية في المذاهب الإسلاميّة المختلفة، دراسة مقارنة تستخلص منها وجوه النظر المختلفة، واتجاهاتها العامة، وطرق صياغتها، وأساليب منطقها. لأجل ذلك فإني أرى: أنّ وضع مشروع موحد للمعاملات المالية بين المذاهب الإسلاميّة يستلزم تنظيم مسائل الفقه الإسلامي المنتشرة في الكتب والدواوين وجمعها، بعداختيار ما يوافق روح الشريعة الإسلاميّة ومقاصدها من مختلف المذاهب الإسلاميّة في ديوان جامع بعد التنقيح والترتيب، واختيار حسن التبويب وأحدث الأساليب، وتجنب ركيك العبارة، وحذف ما لا يحتاج إليه من الأقوال والخلافات، والاقتصار على الراجح أو المشهور أو ما به العمل، والأكثر مطابقة لمقاصد الشريعة الإسلاميّة ومكارمها.
لقد كان للفقهاء السابقين مصنفات تتضمن قواعد أشبه بالقواعد القانونية الوضعية، منها: المتون والمختصرات، ومنها: كتاب القوانين الفقهية لابن جزي المالكي، ومجلة "الأحكام العدلية" وهي تقنين للفقه الحنفي، وكتاب "مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان" لمحمد قدري باشا على غرار مجلة الأحكام العدلية.
ولا يوجد أي مانع يحول دون تقنين هذه الأحكام وجمعها، ولا أي صارف معتبر شرعاً أو عقلاً يصرفنا إنّ هذا التقنين يقاس على إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف بعد أنّ كان مجموعاً في الصدور ومكتوباً في أماكن شتى. كما يقاس أيضاً على تدوين السّنة التي أمكن بتدوينها الوقوف على صحيحها وسقيمها، وتمييز قويها من ضعيفها. كما يقاس كذلك على تدوين الفقه بعد ذلك. وليس التقنين إلاّ صورة من صور تدوين الفقه، فهو كما يكون في صورة مختصرات أو شرح أو نظم يمكن أنّ يتخذ شكل مواد متسلسلة في قواعد مرتبة حسب الأبواب والفصول، والعبرة بالمضمون لا بالشكل، أو كما تقضي القاعدة الفقهية: "العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني" (1).
وإذا كانت المعاملات المالية في الفقه الحنفي قد قننت في الدولة العثمانية في "مجلة
__________________________________
1ـ الفروق للقرافي 2: 319.