ـ(136)ـ
وقد كتب "شارل دوفوكو" فقال: (لا شك أنّ هذه المدرسة المسيحية لن يدخلها إلاّ عدد قليل من الأطفال العرب، لكن الأطفال البرابرة الذين ينحدرون من سلالة طيبة هم على كامل الاستعداد للتأثر بالفكرة اللاتينية التي عرفتها من قبل وسيدخلونها كلهم).
أما الأستاذ "جب" ـ كبير المستشرقين الإنجليز ـ يقول: (الواقع أننا إذا أردنا أنّ نعرف المقياس الحقيقي للنفوذ الغربي ولمدى تغلغل الثقافة الغربية في الإسلام كان علينا أنّ ننظر إلى ما وراء المظاهر المسيحية، علينا أنّ نبحث عن الآراء الجديدة، ما للحركات المستحدثة التي ابتكرت بدافع من التأثير بالأساليب الغربية بعد أنّ تهضم وتصبح جزءاً حقيقياً من الدول الإسلاميّة فتتخذ شكلاً يلائم ظروفها)(1).
ويعقب الدكتور"محمّد حسين" على ما قاله الأستاذ "جب" فيقول: (ويلاحظ "جب" أنّ النشاط الثقافي والتعليمي قد ترك في المسلمين ـ من غير وعي منهم ـ أثراً جعلهم يبدون في مظهر هم العام لا دينيين إلى حد بعيد؛ خاصة ذلك اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي عن حضارته من آثار)(2).
ومن الملاحظ أنّ الذي يدعو إلى أخذ العبرة: أنّ الهجوم الشرس ضد الإسلام لم يأت من معسكر خاص من معسكرات الغربيين دائماً، بل أتى من جميعهم وإن اختلفوا في كيفية أداء واجباتهم وتطاحنوا في اتجاهاتهم وأغراضهم، فهم في خوف من أنّ تصبح للإسلام دولة، ولقوته وجود، لفعاليته تأثير.
لقد كانت الغاية من المؤتمرات: لوضع المخطط الاستعماري ودراسته واتخاذ المقررات المناسبة، فقد اتخذ في أحد المؤتمرات قرار: (أنّ ارتقاء الإسلام يهدد نمو مستعمراتنا بخطر عظيم؛ لذلك فإن المؤتمر ينصح الحكومات الغربية بزيادة الإشراف والمراقبة على أدوار هذه الحركة، وأن تنتفع الحكومات من إعمال إرساليات التبشير التي تبث المبادئ الدينية، خصوصاً بخدماتهم التهذيبية والطبية)(3).
وقد جاء في كتاب "مالم يقل عن ديغول": (ولكن الذي أخاف منه هو: هذا الخطر
__________________________________
1ـ وجهة الإسلام للدكتور جب 1: 250، ط مصر، ترجمة الدكتور علي عثمان.
2 ـ جريدة تاريخ الأفكار 12: 2/ 163، 1951م.
3 ـ مقتطفات من مجلة دراسات عربية، العدد 3، السنة الخامسة عشرة.