ـ(134)ـ
الخلقية في البلاد الإسلاميّة.
لقد كان الهدف الأساسي من الحملات التبشيرية ولا يزال هو: تحويل شعوب العالم الإسلامي عن حضارتها وثقافاتها واستبدالها ـ ما أمكن ـ بهذا اللون أو ذاك من ألوان الثقافة الغربية المقيتة، ولكنهم عجزوا عن ذلك؛ لرسوخ الثقافة الإسلاميّة في عقول المسلمين ونفوسهم، فابتدعوا أسلوباً آخر وغير مباشرٍ؛ وذلك بغزو الثقافة الإسلاميّة من الداخل، ودفع المسلمين إلى تجاوز أطراف منها واستبدالها ببديل غربي.
وليس من الصدفة أنّ تلتقي الامبريالية مع الصهيونية العالميتين في حربهم المشؤومة والخاسرة ضد حضارة الإسلام وثقافته، والتي تقف سداً منيعاً أمام الغزو الفكري البغيض.
هذا، وأن التعاون بين الاستعمار والصليبية كان وثيقاً للقضاء على الوجود الإسلامي بديار الإسلام، وأنهم كانوا يدبرون أمرهم؛ ليصلوا إلى تحقيق ذلك عن طريق المدرسة والتبشير، وعن طريق التربية العقلية ونشر الثقافة، وعن طريق المثقفين بالثقافة الأجنبية، والمتلمذين على الأساتذة الأجانب، وحسب رأيهم فإن الشعوب الإسلاميّة لا تتطور ولا تتدرج في مدارج الحضارة الحقيقية إلاّ إذا ابتعدت عن الإسلام.
قال "مسيووليام جيبور بالكران": (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا ـ حينئذٍ ـ أنّ نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلاّ محمّد وكتابه)(1).
وقال المؤرخ "جبون": (بقوةٍ واحدةٍ ونجاحٍ واحدٍ زحف الإسلام على خلفاء أغسطس (في الروم) واصطخر (في فارس)، وأصبحت الدولتان المتنافستان في ساعة واحدة فريسة لعدو لم يزل موضع الازدراء منهما، فعلى الغرب أنّ لا ينسى ذلك)(2).
وقال المؤرخ الأمريكي "ستودارد": (كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دون في تاريخ الإنسان، لقد ظهر الإسلام في أمةٍ كانت قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان، وفي بلاد منحطة الشأن، فلم يمض على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض،ممزقاً مماليك عالية الذرى، مترامية الأطراف، وهادماً أدياناً قديمةً كرت عليها
__________________________________
1 ـ الإسلام المنتصر: الفصل 13.
2ـ انحطاط روما وسقوطها 15: 474.