ـ(133)ـ
عملها في الشرق مبنياً قبل كل شيءٍ على قواعد التربية العقلية؛ ليتسنى لها توسيع نطاق هذا العمل والتثبت في قاعدته. ويجدر بنا لتحقيق ذلك بالفعل أنّ لا نقتصر على المشروعات الخاصة التي يقوم بها الرهبان المبشرون وغيرهم؛ لأن هذه المشروعات التي يقوم بها الأفراد هي مجهودات ضئيلة بالنسبة للغرض العام الذي نتوخاه، وهو غرض لا يمكن الوصول إليه إلاّ بالتعليم الذي يكون تحت الجامعات الفرنسية؛ نظراً لما اختص به هذا التعليم من الوسائل الفعلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة. وأنا أرجو أنّ يخرج هذا التعليم من الوسائل الفعلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة. وأنا أرجو أنّ يخرج هذا التعليم إلى حيز الفعل؛ ليبث في دين الإسلام التعاليم المستمدة من المدرسة والجامعة الفرنسية)(1). ونتيجة لهذا السلوك التقريبي فإن شبكات المؤامرات العدائية والمخططات الإجرامية قد شملت العالم الإسلامي بكامله، وهي تستهدف المسلمين في عقائدهم الإيمانية، وشعائرهم الدينية قبل كل شيءٍ وتحويلهم عن السلوك المثالي، وهدم كيانهم الإسلامي بالوسائل الإغرائية تارة وبالأساليب العلمية تارة أخرى، ولم تجدهم نفعاً مطلوباً، ورأوا أنّ دائرة نفوذ الإيمان لا تزال تتسع رغم تلك الجهود المبذولة لذلك الغرض، مما أثار حفيظتهم وزاد من حنقهم وحقدهم على المسلمين، وبالأخص حينما لمسوا آثار صحوةٍ دينيةٍ تعم مجتمعاتهم وطبقاتهم في كل بلد.
لقد كان أولئك الدعاة إلى الاستعمار والممهدين لـه ، يوصون بالاعتماد على قواعد التربية العقلية لزعزعة الثقة بالتعاليم الإسلاميّة؛ ليخرجوا لنا مثقفين ينتسبون للمجموعة الإسلاميّة، ولكنهم يبثون في الدين الإسلامي الآراء والتعاليم الغربية التي هي في صميمها وواقعها حرب على الإسلام، وتنكر للمبادئ والتعاليم التي أتى بها سيد الأنام عليه وعلى آلة الصلاة والسلام.
فهذا صما مونويل زويمر ـ مؤسس مجلة "العالم الإسلامي" التي تصدر باللغة الإنجليزية ـ يكتب قائلاً: (إنّ لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلاميّة مزيتين: مزية تشييد ومزية هدم، أو بالأحزى مزيتي تحليل وتركيب، والأمر الذي لا مرية فيه هو: أنّ المبشرين قد أخطأوا في التقدير بالتغيير الذي أخذ يدخل على عقائد المسلمين ومبادئهم
__________________________________
1ـ راجع العالم العربي اليوم لمورد بيرجو، والتخطيط للدعوة الإسلاميّة، واساليب الغزو الفكري والاتجاهات الفكرية المعاصرة للدكتور علي جريشة.