ـ(127)ـ
حمل عقائل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ أسارى إلى الشام، وما رافق ذلك من إهانات واحتقار لم يعامل به حتى أسرى البلاد المفتوحة.
أقول: هذه المأساة بكل تفاصيلها شهدها بقية السلف من آل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقد رأى صور القتل الجماعي لذرية النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بعينه. وقد عاش اسيراً مع عماته وأخواته وعقائل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لعدة أسابيع تنقل من كربلاء إلى الكوفة والى الشام، ثم إلى كربلاء، ثم إلى مدينة جده رسول الله، حيث لازم الأسى والمحنة طوال حياته، فكانت مشاهد المأساة لا تفارق خواطره أبداً.
فماذا يتوقع الإنسان من رجل ينطوي قلبه على مثل هذا الثأر وهو أي ثار ؟ !
إننا نذكر موقفاً واحداً للإمام السجاد ـ عليه السلام ـ لنرى أي نفوس كبيرة هذه التي يحملها أئمة هذا البيت العظيم:
رغم كل ما جرى على آل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في أيام الحكم الأموي فإننا نرى الإمام السجاد ـ عليه السلام ـ يدعو دعاء خاشعاً لجيش المسلمين الذي يقوده سلاطين بني أمية، ويصدرون لـه أوامر التحرك في مختلف الأقاليم إنّ هذا الجيش الذي يدعو لـه الإمام السجاد ـ عليه السلام ـ بالنصر والعزة والغلبة على الكفار كانت بعض قطعاته في يوم ما قد انتهكت حرمة النبي وأهل بيته عليهم السلام في كربلاء، إلاّ أنّ الإمام يدعو لهذا الجيش طالما يحقق عزاً للمسلمين تجاه أعدائهم في بعض المواقف، رغم الأخطاء والأفعال الشنيعة التي تصدر من الجيش بين حين وآخر. فمصلحة الإسلام والأمة هي التي توجه عواطف الإمام ـ عليه السلام ـ وتحدد مسار آماله وآلامه.
ولا يزال هذا الدعاء الخاشع غرة على جبين الزمان، ويدعى في صحيفة الإمام السجاد بدعاء"الثغور" وهذه بعض فقرات منه:
"اللهم صل على محمّد وآله، وحصن ثغور المسلمين بعزتك، وأيد حماتها بقوتك، واسبغ عطاياهم من جدتك، اللهم صل على محمّد وآله، وكثر عدتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألف جمعهم، ودبر أمرهم، وواتربين ميرهم، وتوحد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر، اللهم صل على محمّد وآله، وعرفهم ما يجهلون، وعلمهم مالا يعلمون، وبصرهم مالا يبصرون، اللهم صل على محمّد وآله، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور، وامح عن