ـ(126)ـ
وحدة كيان الأمة لا تتوفر مع ديمومة هذا الصراع الذي سيأتي على البر والفاجر، وأن مستقبل المواجهة لا يضمن حفظ العناصر الخيرة في هذه الأمة إذا استمرت هذه المواجهة مع الجبهة الأموية. ومن أجل ذلك فإن حكمة الإمام السبط ـ عليه السلام ـ وحرصه على وحدة كيان الأمة وإصراره على حفظ دماء المخلصين الخيرين من هذه الأمة جعله يستجيب لمشروع الصلح، ويغض الطرف عن حقه مدة حياة معاوية فحسب، على أنّ يلتزم معاوية ابن أبي سفيان بالكتاب والسنة، ويرفع الأذى عن الناس، ويشيع العدل بين المسلمين وأمثال ذلك من الشروط.
إنّ هذا الموقف الحسني ينبئ عن الإيثار والحرص على الإسلام والأمة وقواها الخيرة، ويعطي انطباعاً عن إنسان يقل نظيره في تاريخ البشر، خصوصاً إذا كان موقفه قد صدر وهو يمسك بمصادر قوة لا يستهان بها، فهو لم يصالح معاوية وهو في وضع عسكري منهار، وهكذا يبقى آل محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ رمزاً لحفظ كيان الأمة، وسلامة وجودها وإن كلفهم ذلك وجودهم المقدس، الأمر الذي لم نجد شبيهاً لـه لدى أحدٍ من أمة محمدٍ ـ صلى الله عليه وآله ـ أو في جماعة منها.
فلقد تخلى الإمام السبط ـ عليه السلام ـ عن أمر طالما غامر من أجله الطامحون والباحثون عن الزعامة رغبة منه ـ عليه السلام ـ لما عند الله تعالى، وحرصاً منه على وحدة المسلمين ومكانتهم بين الأمم
ثالثا: الإمام علي بن الحسين السجاد ـ عليه السلام ـ ووحدة كيان الأمة:
لم يتعرض رجل من آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما تعرض لـه الإمام زين العابدين علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من مآسي.
فقد شهد هذا الإمام العلوي ـ وهو في مطلع شبابه ـ أبشع صور المآسي التي حلت بالبيت النبوي المكرم، حيث شهد في كربلاء مجزرة مروعة شملت رجال أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأصحابهم، وفي مقدمتهم ريحانة رسول الله وسبطه الحسين بن علي عليهما السلام وقطعت رؤوسهم، وأبرد بها إلى الطاغية في الشام يزيد بن معاوية. كما نهب جيش بني أمية بقيادة عمر بن سعد ابن أبي وقاص مضارب آل النبي ـ عليه السلام ـ ومتاعهم، حتى ملاحف النساء، كما شملت المجزرة أطفالاً للحسين السبط عليه السلام، وقد استتبع تلك المأساة الدموية