ـ(125)ـ

كما تؤكد ذلك المصادر التاريخية الموثقة.
فمصادر جبهة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ تشير إلى ذلك وتؤكده بقدر ما تؤكد ذلك مصادر جبهة معاوية. ومصادر العدو عادة تساعد كثيراً على إبراز هذه المسألة وتكون أكثر تأثيراً في تكوين الرؤية عن الطرف المقابل في مقام التقويم:
فقد ورد في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر: أنّ حواراً دار بين معاوية ومهندس سياسته عمرو بن العاص حول القوة الفعلية التي يملكها الحسن بن علي عليهما السلام وكان ابن العاص يعطي انطباعاً عن جبهة الإمام الحسن بأنها جبهة واهنة جداً، قد انفل حدها وانكسرت شوكتها، إلاّ أنّ معاوية قد لفت نظر ابن العاص ـ في ضوء المعلومات الموثقة التي يملكها ـ إلى أنّ علياً قد بايعه أربعون ألفاً على الموت. "فوالله لا يقتلون حتى يقتل أعدادهم من أهل الشام.." (1).
وهكذا كان معاوية يخشى المواجهة مع تلك القوة الحقيقية التي يقودها الحسن السبط ـ عليه السلام ـ هذا وذكر أبو مخنف ـ لوط بن يحيى ـ بإسناده ما يلي:
(لما بايع الحسن ـ عليه السلام ـ معاوية أقبلت الشيعة تتلاقى بإظهار الأسف والحسرة على ترك القتال.. فقال الحسن ـ عليه السلام ـ: أنتم شيعتنا وأهل مودتنا، فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها اركض وأنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأساً، ولا أشد شكيمة ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلاّ حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلموا لأمره، والزموا بيوتكم وأمسكوا)(2).
روى جبير بن نفير، عن أبيه قال: قدمت المدينة فقال الحسن بن علي عليهما السلام "كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين"(3).
فمن هذه الوثائق التاريخية يستفيد المؤرخ: أنّ الحسن بن علي عليهما السلام كان ذا قدرة فعلية على المواجهة لفترة طويلة، ربما ترهق العدو إلى درجة كبيرة، وتحقق مكاسب سياسية منظورة لجبهة الإمام السبط عليه السلام، إلاّ أنّ بصيرة الإمام الحسن كانت تعني: أنّ
__________________________________
1 ـ الإمام المجتبي، أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام.
2ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي 44: 29.
3ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 2: 141، والبحار 44: 25.