ـ(120)ـ
على الإسلام والأمة؛ وإنّما ثبت موقفه وحقه في بداية الأمر، ثم تخلى عن المواجهة الصريحة التي رأى أنها تربك مسيرة الأمة وتضعف كيانها.
يقول الإمام علي ـ عليه السلام ـ متحدثاً عن موقفه السامي المترفع ذلك: "فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده ـ صلى الله عليه وآله ـ عن أهل بيته، ولا أنهم منحوّه عني من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، فخشيت إنّ لم أنصر الإسلام وأهله أنّ أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنّمّا هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه"(1).
4 ـ لم يقف الإمام ـ عليه السلام ـ عند هذا الحد، وإنّما باشر بنشاطاتٍ إيجابيةٍ في إطار الفكر والتربية والتشريع كلما سنحت لـه الفرصة.
صحيح أنه لم يشارك في أي عملٍ عسكري، لا في مستوى قياديٍّ ولا في مستوى مقاتل طوال حكم الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، ولم يشارك في عمل إداري بالمرة، إذ لم يعمل قاضياً ولا والياً، ولا عاملاً على الصدقات، ولم يتول أي أمر إداري بهذا المعنى أو غيره؛ حرصاً منه ـ عليه السلام ـ على التمسك بشرعية موقفه الذي اتخذه في بداية الأمر، إلاّ أنه بالرغم من ذلك صار محوراً للتوجيه، والتقويم لكثير من أمور المسيرة كلما سنحت الفرصة وأتيحت لـه ظروف التصحيح.
وهذه مصاديق حية هي مما حباه الإمام ـ عليه السلام ـ لمسيرة الأمة في تلك المرحلة من طرق الفريقين:
أـ جاء في الرياض النضرة: بسنده عن ابن عمر: (أنّ اليهود جاؤا إلى أبي بكر فقالوا: صف لنا صاحبك، فقال: يا معشر اليهود كنت معه في الغار كإصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء، وأن خنصري لفي خنصره، ولكن الحديث عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ شديد،
__________________________________
1 ـ نهج البلاغة: 451، كتابه لأهل مصر، وراجع "علي والخلفاء" فقد جمع المرحوم الشيخ نجم الدين العسكري بعض التوجيهات والتعليمات والمشاريع التي حباها الإمام ـ عليه السلام ـ لمسيرة المسلمين في تلك المرحلة